المخادر في الدرجاج بمحافظة أبين

كتب ـ علي حيمد

 

لقرية الدرجاج تاريخ عريق في كثير من العادات والتقاليد الشعبية منذ قديم الزمن فقد عرفت الدرجاج بإحياء العديد من المناسبات الدينية والاجتماعية والثقافية وكذلك الوطنية كإقامة مولد ولي الله الصالح السيد أبو معيلي فهذا كان يقام سنوياً وزيارة الكثيب وتقام مرتين في السنة في ليلة الإسراء والمعراج وفي ليلة النصف من شعبان ومن العادات أيضا إحياء ليالي ختم شهر رمضان المبارك في العشر الأواخر من الشهر وإقامة الاحتفالات بعيدي الفطر والأضحى المباركين وغيرها من المناسبات الجذابة والمحببة لدى أهل الدرجاج وكل مناسبة من تلك المناسبات ستكون لنا وقفة أمامها سيتم خلالها استعراضها بالتفصيل وهذه المناسبة لا تقتصر على أهل الدرجاج فحسب بل كان يحضرها أناس من مناطق مختلفة.

وقد سبقني في تناول مثل هذه الموضوعات المتعلقة بالذكريات والمناسبات والعادات عدد من الإخوة من أبناء الدرجاج وكان الأخ رايد صالح النينوه سباقاً في هذا المجال ثم الإخوة سالم العوسجي وناصر محمد حسين الحيدري والحاج علي محسن ناجي وسالم محمد حيدرة البدوي وأتمنى أن تأتي أسماء أخرى لتضاف الى من ذكرتهم لتسجيل تاريخ هذه القرية العريقة .

ولأهمية هذا الموضوع حبيت ا ن أسهم ٍمع الإخوة في إحياء جزء من هذا الجانب وفي هذا الموضوع سأتناول المخادر التي كانت تقام في الدرجاج وبالذات في الستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي بل وابرزها والتي علقت بذاكرتنا نحن الذين كنّا في تلك الفترة اطفالاً صغاراً نفرح باقامة مثل تلك المناسبات وننتظرها بفارق الصبر .

الدرجاج كانت من أهم القرى الأبينية التي تقام فيا المخادر حيث كان اهل الدرجاج يتفاخرون بقيامها ويتنافسون على على ذلك , فكل واحد منهم يريد ان يقال عن مخدرته بانها الافضل من حيث التنظيم والترتيب واختيار الفنانين الكبار واقامت العزائم والولائم وكانت المخادر في تلك الفنرة لاتقتصر على ليلة واحدة بل تسبقها ليال من الرقص والشرح والسمر حتى ان بعض المخادر ذاتها تستمر لأكثر من ليلة واحدة وكان الأهالي يتنافسون على من يجيب أكبر الفنانين والفرق الفنية لاحياء المخدرة.

ومن أبرز المخادر التي لازلت اتذكرها واتذكر من احياها من كبار الفنانين هي المخادر التالية:-

اولاً:- مخدرة الأخ حيدرة محمد علي سعيد رحمه الله التي اقيمت في مطلع الستينيات في ساحة منزلهم في الدرجاج فهذه المخدرة احيتها فرقتين موسيقيتين من اهم الفرق الموسيقية في ذلك الوقت وهما الندوة الموسيقية اللحجية وفرقة ندوة الجنوب الموسيقية اللحجية ايضاً وكانتا تضمان في صفوفهما كبار فناني لحج والذين كان غالبيتهم صغار السن في ذلك الوقت منهم عبد الكريم توفيق ومهدي درويش ومحمد عوض شاكر ومحمود محمد ناصرومن الشباب حينها سعودي احمد صالح واحمد يوسف الزبيدي وعلي سعيد العودي وغيرهم وكان لهاتين الفرقتين زي خاص وهو الزي اللحجي الأصيل المكون من المشدة والمعوز بن سعيدون والشميز بطقم واحد لكل افراد الفرقة ,حيث استمرت هذه المخدرة لثلاث ليالي متتالية وكانت عبارة عن كرنفال فني.

ثانياً: المخدرة الثانية التي لازلت اتذكرها هي مخدرة الاستاذ سالم احمد العابد التي اقيمت بجوار منزلهم في حاوي اهل عسيري وقد احياها الفنان الكبير ابوبكر سالم بلفقيه وهذه المخدرة كانت لليلة واحدة وكانت من اجمل المخادر وكانت المخدرة الأولى والأخيرة التي احياها الفنان ابوبكر سالم في الدرجاج.

ثالثاً:المخدرة الثالثة هي مخدرة ابن عمي وفي نفس الوقت ابن خالتي الأخ حسين محمد حيدرة البدوي التي اقيمت على ما اتذكر في عام 1963م بجوار منزلهم في حاوي اهل ناجي وقد احياها الفنان الكبير محمد محسن عطروش وفرقته الموسيقية (الندوة الفضلية)وقد كانت اول مخدرة يحييها العطروش في الدرجاج ولكنها لم تكن الأخيرة وكانت من ابرز المخادر في الدرجاج , كان سني وقتها بين 8-9 سنوات وقد تم اختياري من بين صبيان اهل ناجي بان اكون (سيير )العريس والسيير هو طفل يتم اختياره من اقرباء العريس ليقوم بمرافقة العريس يوم مخدرته يلبس ما يلبسه العريس ويحمل ما يحمله كالسيف الذي كان عادة ما يحمله العريس يوم عرسه فيتم احضار سيف آخر مصغر للسييروكانت مهمة السيير مرافقة العريس يوم وليلة مخدرته وتنتهي مهمته عند انتهاء المخدرة وعلى مااتذكر ان الفنان العطروش غنى لأول مرة في هذه المخدرة أغنية (حطوب سيلوه —-يابخت الرعية يابخت الرعيان) وفي احد ابياتها يقول (وحطب وسيّل وغني ارضك وا حسين ماالليلة جنة) وكان وقتها يعتقد اهل العريس واقاربه وأهل القرية بشكل عام انه يقصد حسين العريس فأكثروا من اطلاق الرصاص وازدادت فرحتهم وبهجتهم بذلك.

رابعاً: المخدرة الرابعة كانت مخدرة اقيمت خلف دكان المرحوم احمد هادي عسيري في مساحة واقعة بين الدكان وبيت المرحوم الحاج احمد النينوه وكانت مخدرة كبيرة احياها الفنان الكبير محمد سعد عبدالله رحمه الله وكانت مخدرة الأخ سالم سنان المعروف ب سالم جوى وكانت من اجمل المخادر التي حضرتها تألق فيها الفنان بن سعد وقدم اجمل اغانيه التي تفاعل معها الجمهور وكانت المخادر حينها تزخر بحضور كبير من الناس ومن الجنسين حيث كان الرجال داخل المخدرة والنساء خارجها خلف الطرابيل يصدحين بالزغاريد مما يخلق جومن البهجة والسرور لدى الجميع واعتقد ان هذه المخدرة الوحيدة التي احياها محمد سعد في الدرجاج.

خامساً: المخدرة الخامسة هي مخدرة الشهيد عبد الرحمن عباد اقيمت بجوار منزلهم احياها الفنان الكبير الراحل محمد عبده زيدي وهنا ينعكس الذوق الفني الرفيع لأهل الدرجاج من خلال التنوّع في اختيار الفنانين فالأول اختار فرق من لحج والثاني اختار ابو بكر سالم والثالث اختار العطروش والرابع اختار محمد سعد والخامس اختار الزيدي وهذا دليل على الذائقة الفنية لديهم من ناحية ومن ناحية اخرى اثبات مسألة التنافس فيما بينهم فيمن يختار الأفضل .

المخدرة التي احياها الزيدي كانت رائعة فعلى الرغم من ان الزيدي لم يكن من فناني المخادر ولكن اذهلني انسجام الناس وتفاعلهم معه والاستماع باهتمام لما قدمه من اغانيه العاطفية الطربية ,كانت الناس في تلك الفترة سميعة للاغاني الطربية الرومانسية الأصيلة وليس كما هو حاصل اليوم من اسفاف في اغاني المخادر والتي تعتبر من اهم اسباب تدني مستوى الأغنية.

في تلك المخدرة اتذكر معظم الأغاني التي غناها الفنان الكبير محمد عبده زيدي وكانت بطلب من الجمهور وهي من صلب اغانيه المعروفة, ولي حكاية مع هذه الجزئية هي انني كتبت طلب للفنان الزيدي بان يسمعنا اغنية عاطفية كانت حينها جديدة لم يقم بتقديمها سوى مرة واحدة في برنامج جنة الألحان التلفزيوني الأسبوعي الذي كان حينها يقدم من تلفزيون عدن وقد كنت استمعت الى هذه الأغنية من السهرة التلفزيونية تلك واعجبت بها وحفظت منها الكثير ويقول مطلع هذه الأغنية(كنت أحلم اننا القى السعادة بين ايديك—كنت اشوف نور الأماني والهناء مابين عينيك—كم رسالة حب من روحي وأرسلته اليك –صغتها من دمع آلامي ومن وجدي عيك—–كنت احلم اننا القى السعادة بين ايديك).

استغرب الزيدي رحمه الله عندما قرأ الطلب لأن هذه الأغنية جديدة ولم تذاع سوى مرة واحدة وازداد استغرابه وتعجبه بل واعجابه عندما عرف ان من بعث الطلب ذلك الشاب الصغير الذي لم يتجاوزالرابعة عشرة من العمر وذلك بعد ان اشاروا له بانني انا الذي قمت بكتابة الطلب حيث كنت اجلس امام منصة الفنانين مباشرة حتى انه اشار ذات مرة في مقابلة تلفزيونية له من تلفزيون عدن الى هذه الواقعة.

كما احيا الزيدي مخدرة الكابتن احمد امبريص رحمه الله وفي هذه المخدرة كانت لي حكاية مع اغنية عتاب وخاصة المقطع الذي يقول (حياتي اشتي بس حاجة اقولها من صميم قلبي— فؤادي قد نذرته لك ذا مش تكفير عن ذنبي ولاتعويض عن ايام قضيتيها هنا جنبي —لكني حقيق حبيتك كثير يشهد علي ربي وعزك وانتي في بعدك تمام زي ماانتي في قربي —-ومهما بعدتي يا روحي اكيد بايرجعك حبي)والحكاية سأسردها في مذكرات قادمة ان شاء الله.

ومن ابرز الفنانين الذين احيوا المخادر الكبيرة في الدرجاج الفنان سعيد عبدالله الشعوي رحمه الله الذي كان له شهرة كبيرة في تلك الفترة حيث احياء عدد من المخادر في فترة الستينيات وهناك عدد آخر من المخادر الشهيرة التي احياها عدد من الفنانين منها مخدرة الاستاذ محسن مكيش وعلى مااعتقد وان لم تخني الذاكرة احياها الفنان محمد سالم بن شامخ رحمه الله ومخدرة المرحوم السيد علي عبد الله البيتي وكان فنانها الفنان عبد الرحمن الحداد كما كان للفنان الكبير الراحل فيصل علوي نصيب كبير في احياء عدد كبير من المخادرفي تلك الفترة سنستعرضها ان شاء الله في مقالات قادمة.

ومما تجدر الآشارة اليه ان مخادر تلك الأيام ليست كمخادر هذه الأيام. كانت المخادر زمان تتميز باشياء كثيرة منها:-

الحضور المتميز – التحضير والتنظيم الجيدين- جودة الغناء والأغاني التي كانت تقدم , لما لا وهي لكبار الفنانين في البلد وكانت المخدرة تبدأ من بعد تناول وجبة الغذاء حيث يبدأ وقت المقيل وبعدها السمرة التي تستمرحتى فجر اليوم التالي وتختتم برقصة (على امحنا ) وأتذكر انه في احدى المخادر شعشع الفجر والناس لازالت مستمرة في رقصة على امحنا.

اتمنى ان اكون قد وفقت في سرد هذه الذكريات التي ينبغي علينا رصدها وتسجيلها للتاريخ لتصبح جزء لايتجزأ من تاريخ قريتنا الحبيبة الدرجاج وليستفيد منها الأجيال وأعذروني ان كان هناك معلومات غير دقيقة او خاطئة فان المجال مفتوح للتصحيح من قبل الأخوة المهتمين بهذا الشأن اومن كبار السن بعد العودة اليهم والتأكد من المعلومات المشكوك في دقتها, كما اتمنى على الأخوة رائد النينوه وناصر محمد حسين والآخرين الذين ذكرتهم في مقدمة هذا الموضوع وكذلك المهتمين الآخرين بالاستمرار في تسجيل تاريخ القرية كل في المجال الذي يرى في نفسه القدرة على الخوض فيه ,لأن تاريخنا بحاجة الى بحث وتوثيق حتى تتمكن الأجيال من معرفة تاريخ قريتهم وأهلهم.

اتمنى النجاح لهذا المشروع والتوفيق للأخوة المهتمين بمسألة التوثيق والله ولي التوفيق

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى