حينما يتحول الصديق إلى مستثمر عاطفي

كتب ـ منصور محمد شائع
في أحد فصول الحياة التي لا تدرّس في الجامعات ولا تُعرض في دور السينما يظهر لنا صديق… أو لعلنا كنا نظنه كذلك. صديق قد جمعناه الزمان والمواقف والدخان المتطاير من فنجان قهوة بائت في مجلس مشبع بالأوهام صديق دفعنا لأجله ثمنًا باهظًا من رصيد الكرامة وضريبة اجتماعية لا تُسترد: زعل الزملاء خسران الأوفياء ومرافعة في النيابة لا دفاعًا عن براءته بل عن صورة صنعتها له عواطفنا.
ولكن يا للأسف اكتشفنا متأخرين أن الرجل لم يكن صديقًا… بل كان مستثمراً. مستثمرًا لا يضع أمواله في الأسهم بل في الذمم ويحتسب العائد عاطفيًا وماديًا بنسبة أرباح لا تقل عن 100%. منحنا يومًا – بل في عدة أيام متفرقة – مبلغًا تراكم حتى بلغ تسعين ألفًا ثم فتح دفاتره القديمة ومسح الغبار عنها وصرخ: أنت مصلحي! حق فلوس!
أما أنا فجلست أراجع ذاكرتي وكأنني في حضرة محقق اقتصادي أبحث عن أين ذهبت تلك التضحيات تلك التنزلات تلك السنوات التي قضيتها في الدفاع عنه في تحويل قبحه إلى وجه جميل أمام الناس فقط لأكتشف أني كنت أجمل ضحية في متحف النية الطيبة.
هذا الشيخ الفاضل الذي ظنناه ناصحًا أمينًا تبين أنه نسخة محسنة من إبليس يرتدي العباءة ويبيع المبادئ على هيئة قروض عاطفية.
يخدع بالمظهر ويتفنن في نصب الفخاخ الأخلاقية ويجيد تقديم العطاء المغلف بالمنة.
حتى كبار الأساتذة الذين كنت أظنهم أركان الحكمة لم يسلموا من مدحه الذي أراق في قلبي قطرات من خيبة.
اعترف: نعم كنت ساذجًا لكن سذاجتي لم تكن غباءً بل بقايا طهر في زمن ملوث. كنت أظن أن بعض الناس لا يُقاسون بالمال وأن الوفاء لا يُقيَّم بفواتير.
وها أنا اليوم أكتشف أني في عالم يحاسبك حتى على ابتسامتك ويقرضك الوفاء بفوائد قاسية.
في النهاية شكرًا لك يا صديقي لقد منحتني درسًا مجانيًا ولأول مرة دون أن تضع عليه فاتورة.








