( الحاري ) و ( الصالي ) وعلاقتهما بتقويم سلوك المرأة.

كتب/د.سعودي علي عبيد

الحاري: بفتح حرف الحاء وكسر حرف الراء، والصالي: بفتح حرف الصاد وكسر حرف اللام، هما لفظتان كانتا تستخدمان للشخص الذي يتولى تأديب المرأة عندما ترتكب أي خطأ تجاه الآخرين خارج أسرتها أو تجاه بعلها.
وقد بحثت عن معنى هاتين اللفظتين في قواميس اللغة العربية، لكن لم أجد لهما أي معنى له علاقة بذلك الاستخدام المشار إليه أعلاه، لا من قريب ولا من بعيد. وعليه، فلا نعلم مصدرهما.
وهاتان اللفظتين كانتا تستخدمان عندنا في منطقة الحصن وما جاورها مثل باتيس والرواء وغيرها. أما زمن استخدامهما فيقع في ستينيات القرن الماضي وما قبل ذلك.
و(الحاري) و(الصالي) تعنيان في استخدام أهلنا في ذلك الزمن المشار إليه، ولي أمر المرأة، أكانت زوجة أو أخت أو كريمة(ابنة). وهو الشخص الذي يرجع إليه في حال أرتكب أي خطأ من قبل الثلاث الجهات المذكورة آنفا، أي الزوجة أو الأخت أو الكريمة(البنت).
ونقصد بالأخطاء شيئين: الخصام بما يرافقه من شتم وسب ولعن وغيره بين طرفين، أو العراك بالأيدي أو بأي وسائل أخرى مثل العصي أو أدوات حادة.
والحقيقة أن هذين المصطلحين أو اللفظتين كانتا تستخدمان حصريا في إطار العلاقات العائلية الخاصة بالمجتمع الفلاحي فقط، أي المجتمع غير المنغلق. ومن هنا كانت تتولد العديد من المشاكل بين الأسر، وبشكل خاص بين النساء اللاتي لا يستطعن التحكم بألفاظهن أو بأعصابهن، وبالتالي تجد الواحدة منهن وقد تجاوزت الخطوط الحمراء، فصارت مشكلة يتطلب التدخل من الخارج، وهنا تأتي مهمة الحاري أو الصالي، أي ولي أمر المرأة التي أرتكبت الخطأ.
وفي الغالب تأخذ خطوات التقاضي أو عرض المشكلة الخطوات التالية:
(١) يذهب زوج المرأة التي أرتكبت الخطأ تجاه زوجها ليشتكيها إلى ولي أمرها. هذا إذا كانت المشكلة عائلية بين الزوج وزوجته. أما إذا كانت المشكلة بين نساء من أسر مختلفة، فتقوم الأسرة التي وقع عليها الخطأ من أسرة أخرى بالتواصل مع الأسرة الأخرى التي أتى منها الخطأ، وتعرض شكواها على زوج المرأة أو على ولي أمر المرأة التي أرتكبت الخطأ. وفي هذه الحالة قد يتوصل الطرفان إلى تفاهم يتضمن تجاوز هذه المشكلة لأسباب عديدة: منها قد تكون هناك قرابة من نوع ما بين الأسرتين أو علاقة صداقة أو غير ذلك. وقد تكون المشكلة عادية، لا تتطلب تصعيدا. أو أن تتدخل أطراف أخرى في الوقت المناسب، فتعمل على إطفاء أي حريق.
(٢) أما في حالة فشل إنهاء المشكلة، فإن الأمور تأخذ منحى آخر.
(٣) بعد عرض المشكلة أي الشكوى من قبل الطرف الذي وقع عليه الخطأ على الطرف الآخر الذي أتى منه الخطأ، يتم الجلوس بحضور الطرفين المتشاكين, وبحضور طرف ثالث كحكم بين الطرفين المتخاصمين، ويطلب إحضار الشهود. وعندما يتم إثبات الواقعة، يصدر الحكم بضرب(جلد) المرأة المدانة أمام الناس، وهم في الغالب جيران الأسرتين. وهنا يبرز دور (الحاري) أو (الصالي).
وكما قلنا يمكن أن يكون الحاري أو الصالي الأب أو الأخ، أو العم أو الخال في حال عدم وجود أب أو أخ لأي سبب من الأسباب.
وبعد ذلك تأتي عملية تنفيذ العقوبة كما قلنا بضرب وجلد المذنبة. وتبقى علينا معرفة الأداة التي تستخدم في تنفيذ العقوبة المذكورة.
وهنا يمكن أن تكون العصا المعروفة ب(الباكورة). وهي من مكونات الأخشاب، ولكن اليد البشرية تكون قد تدخلت في صناعتها بحيث تأخذ أشكالا متعددة، منها ما تظهر برأس معكوف، ومنها ما دون ذلك. والذين يمتلكون هذه الأنواع من العصي، تكون هي أداتهم في تنفيذ العقوبةالمذكورة.
ولكن كيف يفعل الحاري أو الصالي الذي لا يمتلك مثل هذه الأنواع من العصي؟؟؟
علينا أن نتذكر حال ونوع غالبية المساكن في تلك الفترة الزمنية التي نتحدث عنها. فقد كانت معظمها مبنية من القش وجذوع وأغصان الأشجار التي يتم جلبها من الوديان والأعبار والنوازع والسواقي.. ولذا، فإنه في حالة عدم امتلاك الحاري أو الصالي لعصا من النوع الذي ذكرناه، فما عليه إلا أن ينتزع جذع أو ساق شجرة من سور (داير) البيت الذي يتم تنفيذ العقوبة بجواره، ويتم ضرب المرأة بهذه الأداة كيفما كانت هذه الأداة، وفي أي مكان من جسمها. كما يجب علينا أن نعلم أن العقوبة في مثل هذه الحالة، يجب أن تكون عيانا جهارا، أي أمام الناس. وعلى الرغم من بشاعة وقساوة هذه العملية، إلا أننا لا نستبعد وجود بعض الوجاهة من استخدامها في ذلك الزمن. ويمكن ذكر واحد من الأسباب، وهو أن المجتمع الذي نتحدث عنه في هذا الموضوع كان أميا بشكل عام رجالا ونساء. وعليه، فقد كان المجتمع يهدف من استخدام تلك الطريقة مع النساء، ردعهن من الوقوع في أي خطأ تكون نتيجته تعرضهن لمثل ما تعرضت له فلانة أو علانة.
وفي التطبيق العملي فقد حضرت وشاهدت حالة واحدة لتنفيذ هذه العقوبة على إحدى نساء (الحاوي)1 الذي نسكن فيه. وكان عمري نحو ثماني سنوات، وما زلت أتذكر المشهد العام. فبعد كم جلدات استقبلها جسم المرأة، يتطوع بعض الحضور، أو ولي أمر الطرف الآخر(المشتكي) بالتدخل لوقف عملية العقوبة، كنوع من الرأفة بالمرأة المدانة.

31 مايو 2025
_____
(1) الحاوي : منطقة سكنية، تمثل جزء من الحارة أو الحافة.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى