فيديو اعتقال أوباما المزيف.. مشهد وهمي ورسالة حقيقية

وائل زكير
في مشهد يُشبه حبكة أحد أفلام الخيال السياسي، نشر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقطع فيديو مثيرًا للجدل عبر منصته “تروث سوشيال”، يُظهر الرئيس الأسبق باراك أوباما وهو يُعتقل داخل المكتب البيضاوي على يد عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI). الفيديو، الذي صُنع باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)، لم يتضمّن أي توضيح من ترامب بأنه خيالي أو مزيف ، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات والتساؤلات القانونية والأخلاقية.
كما أثار الفيديو حقيقة عصر المعلومات المصطنعة، وبات السؤال الملح: من يملك الحقيقة؟ ومن يملك القدرة على صناعتها؟
مشهد وهمي.. ورسالة حقيقية؟
يبدأ الفيديو بتصريحات حقيقية مقتطعة من أوباما وعدد من الساسة الأمريكيين يرددون جملة: “لا أحد فوق القانون”، قبل أن ينقلب المشهد إلى محاكاة بصرية مزيفة تُظهر أوباما مكبّل اليدين، ثم خلف القضبان مرتديًا الزي البرتقالي الشهير للمساجين، بينما يظهر ترامب جالسًا مبتسمًا.
ورغم أن الفيديو لا يمت للواقع بصلة، إلا أن عرضه على منصة ترامب الخاصة، دون توضيح لطبيعته المفبركة، أثار تساؤلات حول نوايا ترامب وحدود الاستخدام السياسي للتقنيات الحديثة.
سلاح أم تضليل؟
اعتبر عدد من المراقبين أن الفيديو يدخل في إطار “التهريج السياسي” ويهدف إلى تشويه الخصوم في فترة سياسية حساسة، بينما ذهب آخرون إلى التحذير من تبعات التلاعب البصري على وعي الناخبين وثقة الجمهور بالمؤسسات، وققا لصحيفة “إندبندنت”.
الخبير في الشؤون الرقمية، البروفيسور جون كراوفورد، قال إن الفيديو “يمثل نقطة تحوّل في استخدام الذكاء الاصطناعي كسلاح سياسي”. وأضاف: “عندما تبدأ الشخصيات العامة في تداول محتوى مزيف عن خصومها وكأنه حقيقة، فهذه علامة خطر على مستقبل الحوار السياسي والديمقراطية نفسها”.
الذكاء الاصطناعي.. بين الإبداع والانفلات
تُعد تقنية “التزييف العميق” (Deepfake) إحدى أكثر أدوات الذكاء الاصطناعي إثارةً للجدل. فهي تتيح إنتاج مشاهد واقعية بالكامل لأشخاص لم يفعلوا ما يُعرض عنهم. استخدام هذه التقنية في المجال السياسي يفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات التضليل الإعلامي والتلاعب برأي الناخب.
وقد أعربت منظمات حقوقية وإعلامية عن قلقها من غياب التشريعات التي تقيّد استخدام هذه التكنولوجيا في الحملات الانتخابية، خصوصًا أن جمهورًا واسعًا قد يصدق المحتوى المزيّف إذا لم يُعلن بوضوح أنه غير حقيقي.
الفيديو أثار أيضًا نقاشًا حول مستقبل الحملات السياسية في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد النقاش مقتصرًا على التصريحات والخطابات، بل بات يمتد إلى العالم البصري الرقمي الذي يمكن فيه خلق واقع مزيف بالكامل.
ورأى البعض أن خطوة ترامب تعبّر عن إعادة تعريف للمعركة السياسية، حيث لم تعد الحقيقة شرطًا أساسًا للفوز، بل القدرة على التأثير البصري والانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
يبدو أن الفيديو الذي نشره ترامب لا يورّط فقط أوباما أو خصومه، بل يكشف عن ورطة أكبر يعيشها النظام السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة، في ظل تنامي نفوذ أدوات الذكاء الاصطناعي الخارجة عن أي ضوابط أخلاقية أو قانونية واضحة.








