النحاس.. كيف تلاعبت “فقاعة أمريكية” بالأسعار صعوداً وهبوطاً؟

أبين ميديا /متابعات /البيان
شهد سوق النحاس العالمي منذ مارس وحتى أغسطس 2025 تحولات غير مسبوقة، رسمت صورة معقدة لسلعة لها استخدامات متعددة في الصناعة المعدنية والخضراء. خلال هذه الأشهر، تحركت الأسعار بين صعود حاد وانهيارات سريعة، مدفوعة بمزيج من المضاربة، والسياسات الجمركية الأمريكية، وتحولات الطلب العالمي، ما جعل النحاس مركزا لاستقطاب اقتصادي متصاعد.
انطلقت شرارة التقلبات في مارس، عندما تسربت أنباء عن نية واشنطن فرض رسوم واسعة على واردات النحاس والمنتجات نصف المصنعة منه. ومع توقع الأسواق لارتفاع تكاليف الاستيراد، اندفع المضاربون والتجار الأميركيون إلى تخزين كميات ضخمة، فارتفعت أسعار النحاس في بورصة كومكس إلى مستويات تاريخية تجاوزت 12,400 دولاراً للطن بحلول منتصف يوليو.
لكن هذه الطفرة لم تدم طويلًا وفق تقرير لـ”وول ستريت جورنال” حول تقلبات الأسعار. ففي 31 يوليو، أعلنت الإدارة الأمريكية إعفاء النحاس المكرر من الرسوم، مع الاكتفاء بفرض ضريبة بنسبة 50% على المنتجات نصف المصنعة فقط. الخبر قلب السوق رأساً على عقب: الأسعار الأمريكية للنحاس هوت بأكثر من 20% خلال ساعات، لتعود إلى حدود 9,600 دولار للطن، بينما تقلصت الفجوة مع بورصة لندن التي تراوحت أسعارها بين 9,200 و9,500 دولار.
هذا التحول المفاجئ كشف أن ما شهده السوق الأميركي لم يكن طلباً صناعياً حقيقياً بقدر ما كان «فقاعة تخزين» غذتها المضاربة وسياسات الحماية.
انعكست التقلبات الأميركية على حركة النحاس عالمياً. فقد تحولت الولايات المتحدة خلال الصيف إلى أكبر مستورد للنحاس المكرر، مع دخول أكثر من نصف مليون طن إلى مستودعاتها بين مارس ويوليو، وهو ما يعادل نصف واردات العام السابق بالكامل. هذه الكميات دفعت المخزون إلى أعلى مستوى منذ 2004، بينما شهدت الأسواق الآسيوية والأوروبية نقصا حادا رفع أقساط التسليم الفوري وأربك الشحن البحري.
في المقابل، أعادت الصين – اللاعب الأكبر في السوق وتمثل نحو 60% من الاستهلاك العالمي – توجيه تدفقاتها بشكل غير مسبوق. إذ رفعت إنتاجها المحلي بنسبة تتراوح بين 7.5% و12% خلال النصف الأول من 2025، معتمدة على التوسع في إعادة تدوير الخردة، وخفّضت وارداتها من النحاس المكرر بنسبة 8% وتحولت إلى مصدر صافٍ لفترة وجيزة، حيث صدّرت أكثر من 260 ألف طن لتلبية الطلب الأميركي المرتفع.
أما تشيلي، أكبر منتج للمركزات، فواجهت صعوبات إنتاجية في الربع الأول بسبب أعمال صيانة ضخمة خفضت الإنتاج بنحو 9.5%. ورغم ذلك، استفادت من الأسعار القياسية لتعويض جزء من الخسائر عبر عوائد التصدير. في المقابل، بقيت أوروبا الحلقة الأضعف، حيث تراجع الطلب الصناعي مع تباطؤ قطاع البناء، وزادت صعوبة الحصول على شحنات فورية مع ارتفاع تكاليف النقل واللوجستيات.
اقتصاد الطاقة الخضراء
تزامن هذا الاضطراب مع اتجاه عالمي متسارع نحو التحول إلى الطاقة النظيفة حيث أن الكهرباء عامل أساسي في هذا التوجه. وبالتالي، واجه النحاس، الذي يعد شريانا أساسيا لشبكات الكهرباء والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، ضغطا متزايدا من الطلب الجديد. ومع نمو الاستثمارات في البنية التحتية الخضراء في الصين وأميركا والهند، أصبحت أي إشارة إلى تعطل الإمدادات كفيلة بإشعال موجة صعود، ما يعني أن تقلبات الأشهر الماضية ليست مجرد حادث عابر، بل تعكس تناقضا بين نمو الطلب المستقبلي السريع وبطء توسيع طاقات التعدين والصهر، ما يجعل السوق هشا أمام أي اضطراب.
مع نهاية يوليو، بدا سوق النحاس وقد استعاد بعض التوازن السعري، لكن حالة عدم اليقين ما زالت تهيمن. فالمخزونات الأميركية الكبيرة قد تضغط على الأسعار إذا بدأت عمليات تصريف مفاجئة، بينما يبقى الطلب الصيني والعالمي على مسار صاعد.







