هيا بنا إلى المدرسة من جديد

كتب/ أحمد بن جمال الكازمي
مرت العملية التعليمية في بلادنا بتذبذب مستمر منذ فترة، وخلال السنوات الأخيرة تذبذت بشكل كبير.
فمنذ أن جاءت الثورات والفتن والفوضى زاد التهرب من التعليم، ولمَّا تسلطت المليشيات الحوثية على أجزاء كبيرة من البلاد ذبحت التعليم من الوريد إلى الوريد، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها، بل وفي كل البلاد بسبب حربها على الهوية والاقتصاد، وبثها للمخدرات والفساد.
وازدادت ضراوت هذا الأمر مع ارتفاع المعيشة، التي أصبحت عائقاً أمام أصناف التعليم الثلاثة: المعلم الذي لا تتوفر له معيشة لحياة كريمة إذا انقطع كليًا للتعليم.
وهكذا الأب الذي أصبح يعالج ضرورات العيش، ولم يستطع أن يوفر مصاريف المدرسة لأولاده من الذكور والإناث.
والطلاب الذين وقعوا ضحية لذلك الواقع، فلا يجدون معلماً متفرغًا لتعليمهم، ولا أسرة تقوم بحاجاتهم، فاضطر الكثير منهم أن يتركوا التعليم ليكافحوا في الحياة لتوفير حاجاتهم وإعانة أسرهم.
وفي الأيام الأخيرة لمسنا تحركات جيدة تقوم بها الدولة، بدأت بتعافي سعر الصرف، وانخفاض مصاريف المعيشة تدريجيًا، ونأمل أن تتيسر الأمور أكثر بحول الله تعالى وقوته.
كما سمعنا في الأيام القريبة الماضية تصريحات طيبة من رئيس الوزراء الأستاذ: سالم بن بريك -جزاه الله خيرا -والتزام جيد نحو التعليم وأربابه في البلاد، وهذا يدل على أن هناك تحول كبير في إدارة الدولة، نحو الصلاح والإصلاح، ولو بالتدرج وحسب القدرات المتاحة.
فمن هنا نرسل هذه الرسالة لعناصر التعليم الثلاثة في البلاد: المعلم، وولي الأمر، والطالب.
فأما المعلم فهو روح العملية التعليمية وسيدها، وهو الأب الروحي للطلاب والتلاميذ، وهو صانع الأجيال القادمة، ومؤسس النهضة المقبلة.
فضعوا أنفسكم أخي المعلم، وأختي المعلمة في هذه الصورة، حتى تعلموا قدر المسؤولية المُلقاة على عاتقكم، وقدر المكانة التي ارتقيتم إليها في هذا المجتمع.
ونحن نحس بكم، ونعلم بحالكم وباحتياجكم، ونرى أنكم لم تعطوا نصيبكم وحظكم التي تعينكم على أداء وظيفتكم، والقيام بمهماتكم؛ ولكن أنتم وضعتم هنا، واختاركم الله لهذا الباب، فسد ثغرتكم، وقوموا بحسب استطاعتكم وقدرتكم في تنفيذ القدر المتاح لكم، حتى لا تضيعوا أمانتكم، ولا تهملوا بناء مستقبل بلدكم وأمتكم، وفي الحديث قال جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه – :((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم)) متفق عليه.
وأنت أيها الأب، وأيتها الأم، أيها الولاة لأمور الطلاب والطالبات، اعرفوا قدر التعليم، وحاجة الأولاد إليه، حتى تلتمسوا تلك البركة بعد ذلك بحول الله تعالى وقوته.
فأنتم أيقونة التعليم، وأنتم صنَّاع الأمل في نفوس التلاميذ والمعلمين، فتعاونوا وابذلوا قصارى جهودكم في إتمام التعليم، والتخفيف على المعلمين والتلاميذ.
مع أننا نعلم حالكم جيدًا، ونتالم لواقعكم كثيرًا، ونعيش معكم كثيرًا من معاناتكم؛ لكن عسى أن يكون فرجاً قريبًا بحول الله تعالى وقوته، حتى تستمروا في القيام بأماناتكم مع الأبناء والبنات في تربيتهم وتعليمهم، وقد قال ربنا سبحانه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا﴾
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
وأنت أيها الطالب، وأيتها الطالبة، يا معشر الطلاب الكرام اعرفوا قدر ما تطمح الأمة فيكم، وقدر المستقبل الذي أمامكم، وقدر التطلعات التي تريدها منكم أسركم ومعلميكم ومجتمعكم وأمتكم.
فأنتم قادة المستقبل، وأنتم أمل الأوطان، فكونوا على قدر المسؤولية، واقبلوا على العلم والتعليم بالإمكانيات المتاحة، فليس بشرطٍ أن تمتلك لباسًا جديدًا، ولا حقيبةً جميلة، ولا مصروفات يومية.
بل قدروا واقع البلاد، وحال الأسر وولاة الأمور، فالأب يكدح ليجمع لكم الغذاء الضروري فلا تحملوه فوق طاقته، والمعلم يتفرغ لكم على اليسير والقليل، وهو ربما يفكر في أولاده الجوعى، وأقاربه المرضى، فاستغلوا هذا التفاني، ولا تضعفوا عن تحصيل العلم من اهله، فقد قال ربكم سبحانه مبينًا أهمية ذلك: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا﴾
فاهتموا بواجباتكم التعليمية، وتعاونوا مع أسركم ومعلميكم، واحذروا من الفساد والمفسدين، من قرناء السوء، ودعاة البطالة، ومروجي المخدرات، فإنكم إن أصغيتم إليهم أضعتم حظكم، وهدمتم مستقبل أمتكم، وفرطتم في جهد معلميكم، وأبكيتم أمهاتكم وأبائكم، وأغضبتم ربكم سبحانه وتعالى منكم.
وفي الختام تعالوا لنتفاءل كثيرًا، ونحسن الظن بالله تعالى كبيرًا، ونفتح صفحةً جديدةً مع بزوغ فجر العام الدراسي الجديد، وإشراقة شمس السنة الدراسية المقبلة.
ونقول لبعضنا: هيا بنا إلى المدرسة من جديد!
7/ ربيع الأول/ 1447 هجرية








