سر مدفون في أعماق المحيط.. اكتشاف يغير موازين الطاقة العالمية

أبين ميديا/ متابعات /وائل زكير
على مدار قرنين من الزمن، حيرت أسطورة الطاقة البحرية العلماء والمستكشفين. المحيط الذي عبره الكثيرون لم يُستكشف عمقه حقًا إلا نادرًا، حتى الآن، حيث بدأت أوروبا بتحويل هذه الأسطورة إلى واقع علمي واعد، وتسعى القارة الأوروبية إلى استغلال “طاقة سرية” مدفونة في أعماق المحيط، ما يفتح الباب أمام إمكانات هائلة لتوليد طاقة نظيفة ومستدامة. السؤال الكبير: هل يمكن لهذه التقنية أن تسهم في حل أزمة المناخ العالمية؟
بينما ركز العالم على مصادر الطاقة المتجددة التقليدية، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، ظل المحيط مصدرًا مهملًا نسبيًا رغم إمكاناته الضخمة.
السر يكمن في الفارق الحراري الطبيعي بين مياه سطح المحيط الدافئة ومياه الأعماق الباردة، وهو ما يُعرف باسم تقنية تحويل الطاقة الحرارية للمحيطات (OTEC). هذه الفكرة تقوم على استخدام هذا الفرق لتسخين سائل منخفض نقطة الغليان ليتبخر، ثم تشغيل توربين لتوليد الكهرباء، قبل أن يُبرّد البخار بمياه الأعماق ضمن دورة مغلقة مستمرة. الطاقة المدفونة هنا ليست مجرد كهرباء، بل مصدر نظيف ومستدام وطويل الأمد يمكن أن يعمل على مدار الساعة، مما يجعله بديلاً واعدًا للطاقة التقليدية في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، مع تقليل الانبعاثات الكربونية بشكل كبير.
ومنذ قرنين، تنبأ الفيزيائي الفرنسي جاك أرسين دارسونفال عام 1881 بما يمكن تسميته “الطاقة الشمسية البحرية”، حيث اقترح استخدام دورة مغلقة مع سائل متبخر لتشغيل توربين، وهو المفهوم الذي أصبح اليوم أساس الأنظمة الحديثة لتوليد الطاقة من المحيطات.
أحدثت شركة PLOTEC الأوروبية نقلة نوعية من خلال تصميم نظام يعتمد على تقنية تحويل الطاقة الحرارية للمحيطات (OTEC). تقوم الفكرة على استغلال فرق درجة الحرارة بين مياه سطح المحيط الدافئة ومياه الأعماق الباردة. عندما يصل الفرق إلى 20 درجة مئوية، يتم تسخين سائل منخفض نقطة الغليان ليتبخر ويشغّل التوربين لتوليد الكهرباء، ثم يُبرّد البخار بمياه الأعماق ضمن دورة مغلقة تعمل على مدار الساعة لتوفير طاقة نظيفة وموثوقة ، وفقا لموقع “ecoportal”.
تم تصميم هيكل النظام الأسطواني، ونقاط التوصيل، وأنبوب المياه الباردة لتحمّل أقسى الظروف الاستوائية، مع ضمان استمرارية التشغيل. كما دخل اللاعبون الآخرون في هذا المجال، مثل شركة Global OTEC Resources في المملكة المتحدة، التي حصلت على أول شهادة موافقة لتركيب رافعة المياه الباردة لنقل المياه إلى الخزان وإعادتها بكفاءة عالية.
ورغم الإمكانات الكبيرة لتقنية OTEC، واجه تطويرها تحديات عدة. أبرز المزايا تشمل إنتاج مياه عذبة، إمكانات طاقة عالية، انبعاثات صفرية من الغازات الدفيئة، وطاقة أساسية نظيفة ومتواصلة. أما العيوب فتشمل التكاليف الأولية العالية، صعوبة بناء المبادلات الحرارية الكبيرة والأنابيب، انخفاض الكفاءة عند الفروق الحرارية الصغيرة، والقيود الجغرافية التي تجعلها فعالة غالبًا في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.
اليوم، وبعد مرور 200 عام على التنبؤ الأول، بدأ الباحثون في تحويل الخرافة إلى واقع ملموس. ومع استمرار تطوير الأنظمة، يُبشّر هذا الاكتشاف بمستقبل تُزوّد فيه المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية بطاقة نظيفة وموثوقة، تساهم في خفض البصمة الكربونية عالميًا وتفتح فصلًا جديدًا من الابتكار في قطاع الطاقة المتجددة.
إنها قصة حيّة عن كيف تتحول الأفكار القديمة إلى حلول معاصرة عندما تلتقي الرؤية العلمية بالإصرار التقني، لتصبح أسطورة الأمس حقيقة الطاقة النظيفة اليوم.
استغلال الطاقة المخفية في أعماق المحيط ليس مجرد تقدم تقني، بل خطوة نوعية نحو مستقبل مستدام. بعد قرنين من الانتظار، يتحقق حلم العلماء في توليد طاقة نظيفة متواصلة تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتخفف من آثار تغير المناخ. ومع استمرار الابتكار وتطوير الأنظمة، ستصبح المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية قادرة على الاعتماد على مصدر طاقة مستدام وموثوق، يعزز التنمية الاقتصادية ويحافظ على البيئة. هذه الاكتشافات تؤكد أن الأفكار القديمة يمكن أن تتحول إلى حلول معاصرة، وأن المستقبل يحمل فرصاً غير محدودة لتقنيات الطاقة المتجددة.








