صالح أبو عواذل : اللجنة الخاصة السعودية.. لماذا تخلّى الإخوان عن شعار استقلال اليمن؟
كتب / صالح أبو عواذل
خلال الساعات الماضية قرأت عشرات التدوينات لقيادات وناشطين في جماعة الإخوان اليمنية، وهم يمتدحون رئيس اللجنة الخاصة السعودية محمد عبيد القحطاني المقيم حاليًا في فندق رمادا بالمكلا، ويلتقي بقيادات التمرد في حضرموت، معتبرين أنه استطاع هزيمة الجنوبيين والقضاء على ما يسمونه مشروع “الانفصال”.
تعجبت كيف لصقور الإخوان أن يمتدحوا اليوم اللجنة الخاصة السعودية، وهم نفسهم الذين كتبوا سابقًا “اللجنة الخاصة.. قصة اختراق السعودية للسيادة اليمنية”. لماذا أصبح رئيس اللجنة الخاصة هو المعني بإعادة ما يسمونه السيادة اليمنية على وادي وصحراء حضرموت والمهرة؟ أليس هذا عجبًا يا جماعة الإخوان المسلمين؟
وللتذكير فقط، في العام 2011، الانتفاضة اليمنية التي وقفنا ضدها لإدراكنا أنها تحركها جماعة كانت شريكة في نظام 7 يوليو 1994، ولرفضنا لرموز تلك الثورة الذين اعتبروا أن “ثورتهم تجبُّ ما قبلها”، وكأنها جاءت للقضاء على قضية شعب الجنوب العربي. هناك تنبّه لها قادتنا الأوفياء مثل أمين صالح محمد ود. عبدالحميد شكري وآخرون، وقالوا بوضوح إن تلك الثورة لا تعني أبناء الجنوب، بل تشكل خطرًا على قضيتهم الوطنية.
ودخل الحراك الجنوبي حينها في صدامات مع عناصر الإخوان في عدن، ولا يمكن أن ينسى الجنوبيون المجازر والانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها الجماعة هناك، بعد أن تسلموا السلطة ومنحوا علي عبدالله صالح الحصانة من الملاحقة، وذلك بعد أن فشلوا في قتله ورموز الدولة في تفجير جامع النهدين الشهير.
الثابت أن ثورة 11 فبراير الإخوانية تبنت مشروعًا كبيرًا للغاية، كان في ظاهره استقلال اليمن، وفي جوهره ابتزاز المملكة العربية السعودية عبر “اللجنة الخاصة”. فمن ساحة الجامعة في صنعاء ظهرت توكل كرمان وهي تقول بالنص: “تسقط كل دول الخليج عدا قطر”. ثم خرجت الأقلام الإخوانية تبشر بعهد جديد ينهي نفوذ “اللجنة الخاصة السعودية” التي كانوا يعتبرونها جهازًا مخابراتيًا اخترق السيادة اليمنية. وكانوا يزعمون أن ثورتهم ستعمل على تحقيق استقلال اليمن منها.
ما أكتبه هنا ليس رأيًا بل نقل شبه حرفي لما كان يطرح، ولا يزال حتى اليوم. يعرف الإخوان في اليمن اللجنة الخاصة بأنها ذراع السعودية للتحكم في المشهد السياسي منذ ما بعد ثورة سبتمبر في ستينيات القرن الماضي. ويقولون إن السعودية دعمت الإمامة ضد الجمهورية وشكلت لجنة خاصة للتحكم بالمشهد، ولذلك — وفق منطقهم — فإن اليمن الشمالي هو البلد الوحيد في العالم الذي لم يحصل على استقلال كامل. إن صح هذا القول فهو اعتراف ضمني من الإخوان أن اليمن لم يستقل يومًا لا في عهد الإمامة ولا في عهد الجمهورية.
هذه القضية استغلها الإخوان من باب “نريد استقلال اليمن من تدخلات اللجنة الخاصة”. وللأسف صدّق ملايين اليمنيين تلك الشعارات، وظنوا أن اليمن سيخرج من التدخلات الخارجية، لكن سرعان ما انهارت الآمال مع سقوط العشرات في جمعة الكرامة بصنعاء، قتلى لا أحد يعرف من قاتلهم حتى اليوم.
سقط مشروع استقلال اليمن عندما دخلت إيران على الخط ونقلت أذرعها المهزومين في جبال صعدة إلى وسط ساحة الجامعة. والطريف أن الإخوان الذين كانوا يطالبون بطرد تدخلات اللجنة الخاصة، تقول قناة بلقيس المملوكة لتوكل كرمان إن ناشطًا إخوانيًا اسمه محمد المقبلي كتب في 2011 مقالًا بعنوان “حمالة الحطب” دعا فيه إلى تغيير السياسة السعودية تجاه اليمن عبر تحويل اللجنة الخاصة إلى لجنة عامة تهتم بدولة يمنية وطنية. يقول المقبلي إن هذا الطرح لم يغضب السعوديين، بل اتصل به السفير السعودي في صنعاء وأخبره أنهم مع التغيير، وأنهم سيحولون الدعم للشباب والقوى المدنية، وأن المبادرة الخليجية نقلت السلطة من صالح إلى هادي.
اليمن لم تستقل بل أُستغلت من إيران التي تتحكم اليوم في كامل جغرافيا المملكة المتوكلية الهاشمية باستثناء جزء من مأرب وتعز فقط. وفق الخطاب الرسمي اليمني، فإن اليمن محتل من قبل إيران، وآخر من عبّر عن ذلك سلطان العرادة الذي أكد أن هدفهم “تحرير اليمن من الميليشيات الحوثية الموالية لإيران”.
لكن السؤال الجدلي: لماذا يحتفي الإخوان اليوم بتحركات رئيس اللجنة الخاصة السعودية في حضرموت؟ ولماذا أصبح الأمل الوحيد في استعادة السيطرة على وادي وصحراء حضرموت؟ أين ذهب شعار استقلال اليمن؟ وكيف غاب الحديث عن السيادة؟.
وماذا عن الانقلاب الحوثي؟ وماذا عن قطع يد إيران؟ ولماذا الجنوب يصفون الجنوب بأنه الخصم وليس الحوثي؟ ولماذا يقدمون تنازلات متتالية للحوثيين، بل وأصبحوا مدافعين عن مشروعهم في المحافل الدولية؟.
أسئلة كثيرة تكشف حالة التذبذب في المواقف. ولو كانت المواقف صادقة لما حملوا معول الهدم تجاه الجنوب وحاصروه بالأزمات والمشاكل، وهو الذي أثبت أنه حليف صادق في الحرب ودفع فاتورة كبيرة.
أطرح هذه الأسئلة كصحفي مستقل لا أمثل أحدًا، لكنني صحفي عاش عن قرب الأزمة اليمنية منذ حروب صعدة، وأسأل لماذا لم يتم ردع إيران وأذرعها في صنعاء حين قررت احتلال العاصمة؟ ولماذا سُمح لها بالتوسع إلى الجنوب؟ وإن كان المبرر خلق ذريعة لضربها، فلماذا لم تُستكمل العملية؟ ولماذا لم يتم قطع خط التهريب في المهرة ووادي حضرموت حيث كانت ترابط قوات الإخوان؟.
ثم سؤال آخر يبدو مهمًا: هل الإخوان المسلمون في اليمن حليف غير وفي؟ أم أن تحالفاتهم مؤقتة وقائمة على الابتزاز السياسي؟ وما هي الأوراق التي يمتلكها هذا التنظيم حتى أصبح هناك نوع من الرضوخ الإقليمي له؟، ودحض هذا الرضوخ “مزاعم التصنيف كجماعة إرهابية عابرة للحدود”؟.








