هاني مسهور: الدولة الجنوبية لم تعد فكرة تنتظر الظروف، بل واقعًا فرض نفسه بالقوة والانضباط والتضحيات

كتب: هاني مسهور
ما يجري اليوم ليس نقاشًا سياسيًا مفتوحًا، ولا خلافًا على توقيت، بل اختبارًا فاضحًا لمعنى القيادة حين تكتمل الشروط. الجنوب لم يعد في طور المطالبة، ولا في مرحلة التوسّل السياسي، بل في لحظة سيادية مكتملة، يصبح فيها الإعلان واجبًا، ويغدو التأجيل تفريطًا لا حذرًا.
الدولة الجنوبية لم تعد فكرة تنتظر الظروف، بل واقعًا فرض نفسه بالقوة والانضباط والتضحيات. الأرض مُدارة، الأمن متحقق، المؤسسات قائمة، والخصوم سقطت أوراقهم واحدة تلو الأخرى. من يزعم أن الإعلان مغامرة، يتجاهل حقيقة بسيطة: المغامرة كانت في سنوات الدم، أما الإعلان فهو تحصيل حاصل لمسار طويل دُفع ثمنه من أرواح الآلاف.
التاريخ لا يتسامح مع المترددين، ولا يمنح الشرعية لمن يختبئ خلف حسابات الخوف. القادة الحقيقيون يُعلنون القرار حين تنضج شروطه، لا حين يطمئن خصومهم. والجنوب اليوم يقف عند لحظة لا تحتمل الالتفاف: شعب فوّض، وسلاح حمى، وأمن صمد، وكل تأجيل إضافي لا يحمي الاستقرار، بل يفتح ثغرات للفوضى.
حضرموت ليست بندًا تفاوضيًا ولا ملفًا قابلًا للفصل. كل خطاب يحاول سلخها عن الجنوب هو تزوير سياسي فجّ، لا قراءة واقعية. حضرموت جنوبية بالهوية والتاريخ والإرادة الشعبية، وأي محاولة لفرض واقع بالقوة ليست مشروع دولة، بل مشروع تفكيك. القصف لا يصنع حدودًا، ولا يُنتج شرعية، بل يكشف عجز من فقد أدوات السياسة فلجأ إلى الطائرات.
الدولة الجنوبية ليست تهديدًا للاستقرار الإقليمي كما يُروّج البعض، بل شرطه الوحيد القابل للحياة. الجنوب لم يكن يومًا عبئًا أمنيًا على الخليج، بل أحد أهم خطوط دفاعه. من قاتل القاعدة، وواجه الحوثي، وحمى السواحل والممرات الدولية، لا يُكافأ بالوصاية ولا بالإذلال السياسي. منطق الاستقرار لا يُبنى على إدارة الفوضى، بل على كيانات واضحة تملك قرارها وأمنها.
الحديث عن “العدالة” في قضية الجنوب، بالتوازي مع ممارسات تقويضية، ليس ازدواجية بريئة، بل تناقض أخلاقي وسياسي مكشوف. لا يمكن الاعتراف بعدالة قضية ثم ضرب أصحابها. العدالة لا تُدار بالقصف، ولا تُجزّأ بحسب المصالح، ولا تُفرّغ من مضمونها ثم يُطلب من الضحية الصمت.
القصف لن يُسقط الدولة، بل يُسرّع لحظة إعلانها. إرادة الشعوب لا تُقصف، والحقوق التاريخية لا تُمحى من الجو. الجنوب تجاوز مرحلة الردّ، ودخل مرحلة الفعل. اختار دولته، وحسم خياره، ولم يعد قابلًا للإدارة بالخوف أو بالوصاية المقنّعة.
الدولة الجنوبية ليست شعارًا ولا ورقة ضغط، بل نتيجة طبيعية لمسار حُسم ميدانيًا وسياسيًا. من قدّم آلاف الشهداء لا يُطلب منه الانتظار، ومن صنع الأمن لا يُفرض عليه الصمت، ومن امتلك الأرض والقرار لا يحتاج إذنًا ليُعلن سيادته.
حين تكتمل الشروط، يصبح الإعلان فعلًا تاريخيًا لا يحتمل التأجيل. والجنوب اليوم، بكل المعايير، عند هذه اللحظة.
#الاستقلال_الثاني #البيان_الاول #دوله_الجنوب_العربي



