الممثل والمسرحي علي هادي السعدي ، إنسان أنصف الوطن والوطن لم ينصفه
كتب/ صبري السعدي
لم تكن صدمة تلقي خبر وفاة الأستاذ القدير علي هادي السعدي هي وحدها من ألمت قلبي ” فالموت حق و كل نفس ذائقة الموت ش” ؛ بل الصدمة الحقيقية التي جعلتني شارد الذهن خلال ثلاثة أيام ، هي كيف كان الجزاء لتاريخ وعطاء هذا الرجل، الذي قوبلتا بنكران وجحود وإهمال متعمد لحالته الصحية المتدهورة يوماً بعد يوم منذ عشرة أعوام .
فالممثل والمسرحي علي هادي السعدي أفنى حياته وهو يشغل مكاناً بارزاً بنجوميته وتألقه وعطائه ، من خلال مئات الأعمال الفنية التي قدمها على خشبة المسرح بأسلوبه وشخصيته المتميزة ، و بأدائه الدرامي الرفيع في الأعمال التي كانت تُـعرض على الشاشة البلورية ، وصوته الرنان الذي يشجي كل مستمعين البرامج و الدراما الإذاعية التي كانت تبث عبر إذاعة أثير عدن ، وتصل إلى كل مستمع في الريف والحضر ، في المنازل .. المقاهي .. السهول.. الهضاب .. المرتفعات .. المزارع .. وغيرها ، حيث تم تصنيفه كصاحب افضل صوت إذاعي في اليمن من قبل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون .
كما أنه كان له باع على صعيد السلك العسكري فقد تجاوزت خدمته العسكرية في الجيش نصف قرن من الزمن ، تدرج فيها بكل الرتب والمناصب القيادية ووصل إلى رتبة عميد حتى تم تهميشه مع آلاف الضباط الجنوبيين عقب حرب 94 ، وعُـرف لدى جميع الضباط والافراد الذين عملوا معه بتواضعه وأخلاقه و طيبته ومواقفه النبيلة الاخوية الصادقة .
وظل السعدي من بين قلائل نجوم الفن والثقافة ، حريصاً كل الحرص على أن تكون أعماله خالصة من نبع حبه وعطائه للوطن ، محايداً وبعيداً كل البعد عن أي تطرف مناطقي أو انتماء حزبي أو قبلي ، ولم يسعى قط إلى تحقيق أي مصالح شخصية ، وظل محافظاً لمسيرة عطاء ناصعة دون الاستعانة بمساحيق تجميل أو تنظيف أو غيرها .
لماذا لم تشفع له المسيرتين الفنية و العسكرية المستمرتان لعقود من الزمن ، ولماذا لم يشفع له حبه وإخلاصه لوطنه وعمله ، بإنصافه أو حتى بلفته انسانيه لحالته الصحية المتدهورة بشكلٍ مستمر أمام نظر ومسامع المسؤولين، بعد مناشدات كثيرة من بعض الصحفيين والناشطين لم تجدي نفعاً سوى الاستجداء الذي كان يرفضه المرحوم بشدة ، وهو يفضل أن يموت بكرامة وعزة على أن يطرق باب مسؤول ، من المسؤولين التي تكتظ مكاتبهم بالمطبلين و المزايدين و إعلاميو و فنانو الدفع المسبق الذين تغلفوا بغلاف اسمه الثقافة والفن ، و المتصبغات بمساحيق التجميل والعطور الفواحة الكفيلة بأن تجعل لعاب المسؤولين يسيل وتحرك أقلامهم على توقيع أوامر وشيكات صرف الأموال و تذاكر السفر الى الخارج تحت اي عذر أو أي مسبب مصطنع .
أيعقل بالوقت الذي لم ينال فيه “السعدي” حقه في العلاج يقوم أحد هؤلاء المسؤولين المحترمين ، الذي يتجاهل نداءات المبدعين و معاناة المخضرمين ، بصرف تذاكر طيران وبدل سفر للخارج لإحدى الماجنات التي تتردد على مكتبه بحجة ان نفسياتها مكتأبة وتريد السفر لأنها تحتاج لفترة نقاهة ؛ ولا يعلم هذا المسؤول أن نفسياته هي المريضة ويحتاج لزيارة اقرب عيادة طبيب نفساني ، لكي يُشفى من داء الفساد ، و يستيقظ ضميره ليصحح مسار طريقه وقلبه وعقله الذي اغوهم الشيطان هو وسائر نظرائه من هؤلاء المسؤولين ، في ظل غياب مبدأ الثواب والعقاب ، وتجميد عمل الرقابة والمحاسبة في اجهزة الدولة .
اتذكر حينما انتكست حالة الفقيد علي هادي السعدي ، بعد ارتفاع الضغط الذي تسبب بإصابته بنزيف حاد بالدماغ اُدخل على إثرها غرفة العناية المركزة بأحد المستشفيات الخاصة بعدن ، اتذكر اني حينها طلبت من اولاده أن يلتقطوا له صورة وهو في غرفة العناية لكي ننشرها بمناشدة صحفية كأي فنانوا ومبدعو الزمن الجميل ، اقسم بالذي رفع السماوات والأرض أن طلبي قوبل بالاعتذار والرفض التام ، لان والدهم منع أن يتم تصويره وهو في حالة سيئة يرثى لها ؛ كيف لا وصدى عبارته لا تزال تتردد على اذناي وهو يقول لي ” يا ولدي نحن لا نستجدي شيء من احد، فالذي خدم الوطن كيف الوطن لا يخدمه” ، فماذا نقول لروح هذا الرجل الذي أعطى الوطن والوطن لم يعطيه حتى حبة دواء .
فالذي منعه ومنع اولاده من نشر صورته وهو في حالة المرض هي عزة النفس التي غابت عن بلاد تاريخ أهلها معروف بالعزة والشموخ والكرم ونجدت الملهوف والمظلوم دون انتقاص أو تقليل من قدره ، فما بالك بإنسان كحجم علي هادي السعدي الذي أنصف الوطن والوطن لم ينصفه .
“رحمة الله تعالى تغشى الفقيد السعدي” وتجعل مثواه في جنان الخلد مع الصديقين و الشهداء ، وتلهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، و إذا غابت عدالة الأرض فلن تغيب عدالة السماء ، وليبشر مسؤولي الفنادق والشاليهات أنها لن تدوم لهم ، والذي تجاهلوهم اليوم سيأتي يوم و يتجاهلهم الذي بعدهم ، فالدنيا دواره وكما تدين تدان ، ولا عزاء على الظالمين .