موت بلا قبر

كتب/ ماهر العبادي ابو رحيل
ها أنا أكتبكِ من جديد، أكتبكِ بدم قلبي، لا بحبر القلم. أكتبكِ وكلُّ كلمةٍ تسقط على الورق كأنها حجرٌ على صدري. كيف تركتِني؟ كيف سمحتِ ليديكِ أن تفلت يدي بعد أن كنتِ أوّل الأمان وآخره؟ أما كنتِ تعلمين أني حين أحببتكِ، أحببتكِ حدَّ الفناء؟
أعطيتكِ قلبي بلا حساب، وهبتكِ حبّي بلا شروط، جعلتُ منكِ ديني الذي أؤمن به، وصوتي الذي أتنفسه، ووطني الذي أهرب إليه. كنتُ لكِ سنداً حين مالت الدنيا عليكِ، كنتُ لكِ صديقاً، وأباً، وحبيباً في وقتٍ واحد. فكيف تقفين اليوم أمامي ببرودٍ وتقولين: “انتهى الأمر” وكأن شيئاً لم يكن؟
أما كنتِ أنتِ من وعدني ألا تتركيني؟ أما كنتِ أنتِ من أقسمتِ يوماً أن قلبي بيتكِ وأنكِ ستسكنينه ما حييتِ؟ أين ذهبتِ بالوعود؟ أين ذهب كل ذلك الحب الذي كان يملأ عينيكِ حين تنظرين إلي؟
لقد تركتِني في منتصف الطريق، في اللحظة التي كنتُ أحتاجكِ فيها أكثر من أي وقتٍ مضى. تركتِني وأنا أقاوم العالم لأجلكِ، وأنا أُسقط من حياتي كل شيء قد يجرحكِ. تركتِني بعد أن بنيتُ لكِ في داخلي قصراً من الطمأنينة، وكتبتُ اسمكِ على جدرانه بدمعي.
هل تعلمين ماذا تركتِ خلفكِ؟ تركتِ رجلاً يحاول أن يتعلم كيف يتنفس من جديد بلا قلب. تركتِ عينين لا تنام، وشفتين لا تبتسم، وروحاً تنكسر كل يوم وتعيد جمع نفسها في الليل لتسقط من جديد في النهار. تركتِني أنا، الرجل الذي أحبكِ بصدق في زمنٍ صار فيه الحب مجرد لعبة.
أما فكرتِ ولو للحظة أنكِ حين رحلتِ كسرتِ شيئاً في داخلي لن يُصلح أبداً؟ الا برجوعك أما سألتِ نفسكِ كيف لرجلٍ وهبكِ عمره أن يواصل العيش بعد أن أخذتِ منكِ عمره كله ورحلتِ؟
أكتب لكِ اليوم لا لأرجوكِ، بل لأذكّركِ فقط. لأذكّركِ أن هناك رجلاً أحبكِ بلا حساب، وصنع من نفسه جسراً كي تعبرين أحلامكِ، وظلّ في النهاية وحيداً على ضفة الغياب. أكتبكِ لأؤنّبكِ علّ في قلبكِ بقية من ضمير توقظها هذه الكلمات. علّكِ تدركين أنكِ حين اخترتِ الفراق لم تتركي رجلاً فقط، بل تركتِ عالماً كاملاً كان يعيش بكِ.
عودي إن كنتِ تعرفين معنى الوفاء عودي إن كنتِ تعرفين أني لم أكن يوماً خياراً سهلاً في حياة أحد عودي إن كان في قلبكِ بقية نبضٍ يعرف حبي أما إن كنتِ رحلتِ حقاً تذكّري دوماً أنكِ حين تركتِني تركتِ رجلاً كان يرى فيكِ الحياة كلّها، والآن صار يرى الحياة كلها فراقاً.







