الوطن… والبقرة… والكاهن

الكاتب السوداني ـ جلال الجاك

في قريش كان الكاهن يقول لعابدي الصنم: إن الصنم يطلب منكم بقرة حتى يلبي طلبكم!
وطبعا الصنم لا يتكلّم، ومن يريد البقرة ويستفيد منها هو الكاهن!
ولو قال الكاهن للناس أريد بقرةً لي لما أعطاه إياها أحد، لذلك تكون الحيلة بإيجاد صنم يعبده الناس ويقدّسونه ويموتون في سبيله ويعظمونه…
ثم يتصدّر الكاهن الحديث باسم الصنم… ويدعو الناس لتقديس الصنم وتعظيمه…
حتى إذا طلب من عابدي الصنم شيئًا باسم الصنم، دفعوه للكاهن وهم فرحون بل ينتظرون من الكاهن أن يخبرهم بأن الصنم قد تقبل عطاءهم!
قبل الحرب العالمية الثانية… وفي خطاب لهتلر قال أنه سيصنع للالمان إلها يعبدونه في الارض بدل الله!، إنه الوطن الالماني .. في سبيله يموتون ومن أجل عزته ورفعته يضحونَ
طبعًا الوطن وثن معبود كالصنم… لا ينطق. ومن يتحدث باسم الوطن هم السياسيون الذين يمثّلون الكهان بالنسبة إلى الصنم…
وعندما يطلبون من الناس التضحية للوطن فهم إنما يطلبون من الناس التضحية من أجلهم ومن أجل بقاء سلطانهم أسيادًا على بسطاء الناس…
والناس العابدة للوطن فرحة…
تموت في سبيل الوطن فيلقي عليها السادة اسم (شهيد الوطن)…، بينما السادة لا يموتون في سبيل الوطن ولا يجعلون ابناءهم يموتون في سبيل الوطن…
لانهم هم الوطن…
ومن أجلهم يموت عابدو الوطن…
تسمع دائما كلمات ضخمة مثل(خزانة الدولة-ممتلكات الدولة-أراضي الدولة-ھیبة الدولة-رئیس الدولة)
ویموت الجمیع كي لا تسقط الدولة… الدولة… الدولة… الدولة.
ولا یوجد أحد یسأل نفسه: ما ھي الدولة؟!… ما ھذا (المسّمى الاعتباري) المقدّس الذي تنسبون إلیه كلّ شيء؟
ومن حقّه أیضًا أن یسلب منكم كلّ شيء: دینكم… أرواحكم… كرامتكم… لقمة عیشكم!
ما هو ھذا الوثن المقدس الذي تطلبون من الناس أن تجوع لیشبع ھو؟
وتتقشف لینعم هو؟
وتموت لیعیش هو؟
وتُھان من أجل أن یحفظ ھیبته؟
في الحقیقة:
الدولة ھي”وثن وھمي”، لا تعني عندھم في الحقيقة إلّا “سلطتهم” ومراكز قوّتهم!…
وحتى یتقبل الناس فكرة الخضوع والإذعان لھم فھم یدّعون دائمًا: أن كل ما یفعلونه لیس لأنفسھم وأسرهم، بل من أجل الدولة ومصلحة الوطن”.
یأخذون أموالك ویسرقون حقوقك ثم یدعون أنھم أخذوھا لأجل أن یوفروا أموالا للدولة ومصلحة الوطن،
یھینونك شر إھانة ویستحلون دمك ثم یدعون أنھم یفعلون ذلك حفاظا على ھیبة الدولة ومصلحة الوطن،
یستغلون الجنود في حفظ كراسیھم وسلطتھم ویزجون بھم في مواطن الموت ثم یدعون أنھم یحمون الدولة والوطن!
إذ لو قالوھا صراحة: (نحن نقتلكم ونھینكم ونسلب اموالكم لأجل سلطتنا) لما تقبلھا أحد!
ثم إذا أرادوا أن یضفوا مزیدا من التقدیس والتعظیم على ھذا الوثن سموه باسمه الوطن المقدّس،

  • على سبيل المثال فى مصر يجعلون الشعب يردّد وراءھم:
    “نموت نموت وتحیا مصر،
    نحن فداء لمصر،
    عاشت مصر حرّة…”.
    إذا كان مطلوبًا من الشعب أن یموت لتحیا مصر؟
    فلنا أن نتساءل: ما هي مصر حتى يموت الشعب ويسجن ويهان من أجلها؟
    إذن فمصر لیست الشعب… ھل ھي الأرض؟!
    إذا كانت الأرض… فمن وضع حدودها؟
    وهي حدود تتغير على مر التاريخ والثابت الوحيد هو الاسم فقط؟،
    بل معظم حدود الأوطان الحاليه وضعها المستعمرون (الإنجليز والفرنسيون) ولم يصنعها جدّي وجدّك!
    ثم هب أننا اتّفقنا على حدود الأرض…
    فھل الأرض ھي التي تمتلك الناس أم الناس ھم الذین یملكونھا؟
    إنكم يا سادة لا يملك معظمكم شقته التي يقطن فيها، ومن ملك أرضًا أو شقّةً فإنه يدفع عليها ضرائب لدولته وكأنه يستأجرها من رئيس الدولة وحزبه وحكومته!
    بل جميعنا يدفع في أرض الوطن ثمن قبره الذي سيدفن فيه!
    فأين هي أرضكم التي تموتون في الدفاع عنها؟ إنها “أراضي الدولة”
    أراض يوزعها كاهن الدولة (رئيس الدولة) على أعوانه واتباعه ليملك ولاءهم له ويعطيها لرجال الأعمال الفاسدین والمستثمرین الأجانب ليتكسب هو وحاشيته من منافعها كما تكسب كاهن قريش من البقرة؟
    إذا فالدولة اوالوطن ھي لیست الأرض!
    فما المتبقى من معنى الدولة اوالوطن ليموت الناس دفاعا عنه؟!
    المتبقّي يا ساده من مفهوم الدولة او الوطن ھم ببساطة: أصحاب السلطة ومراكز القوّة!.
    وأنت مطلوب منك أن تجوع، وتتقبّل الإھانة، وتموت من أجل بقاء سلطتهم ونظامھم،
    من أجل أن تحقّق مصالحھم في استمرار حكمھم… (الوطن الحقيقي هو الشعب)…
  • كاتبٌ سوداني
مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى