الثأر: جاهلية مدمرة تخالف دين الله وفعل شيطاني يُفرح الأعداء.

الثأر ليس مجرد عادة سيئة، بل هو جرح غائر في جسد الأمة، وبقية نتنة من الجاهلية التي جاء الإسلام ليقضي عليها.
الثأر نزعة شيطانية تدفع النفوس إلى الانتقام الأعمى، وتتنافى كليًا مع جوهر ديننا الحنيف الذي بُني على الرحمة، والعدل، وضبط النفس، وتطبيق شرع الله.
إن وجود الثأر بين المسلمين يغضب الله لأنه مخالفة لأحكامه وتجاوز لحدوده، وفي الوقت نفسه يفرح أعداء الأمة، الذين يرون فيه فرصة لإضعاف المسلمين وإشغالهم بأنفسهم، بدلاً من توجيه قوتهم وبأسهم ضد من يستحق ممن يسومون المسلمين سوء العذاب.
الثأر: مخالفة صريحة لدين الله وفعل شيطاني يتجاوز كل الحدود التي وضعها الله لحفظ النفس والعرض والمال، ويصادم مبادئ الإسلام العظيمة، ويُقدم خدمة مجانية لأعداء الدين:
فهو أولا: اغتصاب لحق الله وحق ولي الأمر: الإسلام جعل إقامة العدل والقصاص حقًا خالصًا لله تعالى، وكلف ولي الأمر الشرعي بتنفيذه وإقامته. وفي عادة الثأر الجاهلية الفوضوية تعدٍ صارخ على هذا الحق الإلهي، ومحاولة لأخذ دور القاضي والجلاد دون وجه حق.
قال تعالى: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 179).
هذه الآية تؤكد أن الحياة الحقيقية والاستقرار يتحققان بالقصاص الشرعي الذي تضبطه الدولة، وليس بالانتقام الفردي الذي يجلب الموت والخراب، ويُشغل المسلمين عن عدوهم الحقيقي.
ثانيا: الثأر هدم لمبدأ العفو والتسامح:
فالإسلام دين الرحمة والعفو، وقد حث على الصفح عند المقدرة.
قال تعالى: “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (الشورى: 40).
والثأر يغلق تمامًا أبواب العفو والمصالحة، ويغذي الضغينة والكراهية بين القلوب، ويُضعف وحدة المسلمين أمام أعدائهم.
ثالثا: الثأر جريمة كبيرة واعتداء صارخ وقتل للنفس بغير حق:
لأن الثأر لا يفرق بين الجاني والبريء، وقد يمتد ليقتل أطفالاً ونساءً وشيوخًا لا ذنب لهم، لمجرد انتمائهم إلى عائلة أو قبيلة الجاني. وهذا يتنافى تمامًا مع حرمة الدم في الإسلام، الذي اعتبر قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعًا.
قال تعالى: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” (المائدة: 32).
وهذه الدماء التي تُراق ظلماً بين المسلمين هي ما يتمناه الأعداء ويفرحون به كثيرا.
رابعا: الثأر إرضاء للشيطان ونزع للسكينة:
فالثأر ينبع من غضب شيطاني، ووسوسة خبيثة تدفع الإنسان إلى التخلي عن عقله وحكمته. والشيطان عدو المسلم يزين له الانتقام الأعمى ويدفعه للوقوع في المحرمات، ويُبعده عن ذكر الله والتفكير في العواقب.
إنه طريق يؤدي إلى المزيد من الشر والفتن، ويُفقد الإنسان طمأنينته وسلامه الداخلي.
الأضرار والمفاسد الكارثية للثأر:
هدية مجانية لأعداء الأمة من شياطن الإنس والجن.
الثأر ليس مجرد رد فعل، بل هو كارثة متكاملة تُخلّف وراءها دمارًا شاملاً على كل المستويات، وهو ما يسعى إليه أعداء الإسلام لإضعاف قوته:
فهو نزيف للأرواح وإراقة للدماء:
هذه هي النتيجة الأكثر فظاعة للثأر. يبدأ بقتل فرد، ثم يتسع ليشمل آخرين لا علاقة لهم بالجريمة الأصلية، ثم يتحول المجتمع إلى ساحة معركة دائمة، تسيل فيها الدماء، وتُيَتّم فيها الأطفال، وتُرَمّل فيها النساء، ويهلك فيها الشباب بلا ذنب.
وهذه الدماء التي تُراق بين المسلمين هي وقود يُسعد أعداءهم، الذين يرون قوتهم تُستنزف في صراعات داخلية.
ومن أضرار الثأر ومفاسده تفكك النسيج الاجتماعي وتنافر القلوب:
فالثأر يمزق الروابط الأسرية والعشائرية، ويخلق حالة من العداء المزمن بين العائلات والقبائل. تُهدم الجسور، وتُقطع الأرحام، ويسود الشك وعدم الثقة، مما يقضي على أي فرصة للتعاون والتآلف. هذا التفكك هو خلاف ما أمر الله به من التآلف والتراص والتعاون والتناصر، وهو أمنية كل عدو للأمة، لأنه يُضعف من تماسكها ويجعلها فريسة سهلة.
ومن أضرار الثأر ومفاسده الظاهرة تعطيل الحياة وتوقف عجلة التنمية:
فالمجتمعات التي يسود فيها الثأر لا يمكن أن تنهض أو تزدهر. فالناس يعيشون في رعب دائم، وتتعطل الأعمال، وتهجر المزارع، وتتوقف التجارة، ويتعطل الاستثمار، وتُصرف الموارد والطاقات البشرية في الصراعات الدامية بدلاً من البناء والتنمية. ويصبح الهدف الوحيد هو البقاء والانتقام، لا التقدم والازدهار.
وهذا يضعف المسلمين ويخدم مصالح الجهات التي لا تريد للمسلمين أن ينهضوا.
ومن عواقب الثأر نشر الخوف وانعدام الأمن:
فعندما تُترك الأمور للثأر الفردي، يفقد الأفراد إحساسهم بالأمان. والجميع يعيش في خوف من الانتقام في أي لحظة، وتعم الفوضى، وتُقوّض سلطة الدولة، مما يؤدي إلى غياب القانون وحدوث فوضى عارمة تكون فرصة لأعداء الأمة المتربصين بها لكي يُمرروا أجنداتهم ويزرعوا بذور الفتنة بين المسلمين.
ومن أضرار الثأر وعواقبه السيئة وراثة الكراهية والضغينة واستمرار تقاتل الأجيال وفساد ذات البين :
فالثأر للأسف لا يموت بموت الأجيال. بل تنتقل الأحقاد من جيل إلى جيل، ويُربى الأطفال على الكراهية والرغبة في الانتقام، لتصبح جزءًا من هويتهم. ويصبح الثأر ثقافة متوارثة، يصعب الخلاص منها، وتستمر دورة العنف التي لا تنتهي، وهذا يُبقي الأمة في ضعف مستمر يُريح أعداءها.
الثأر إهدار الكرامة الإنسانية:
فالثأر يُجرد الإنسان من إنسانيته وعقله، ويُحوله إلى آلة قتل تقاد بالانتقام الأعمى، بعيدًا عن أي مبدأ أخلاقي أو ديني.
وقفة جادة:
قوة الأمة وبأسها لمن يجب أن تُوجه؟
إن الأمة الإسلامية تمتلك طاقات هائلة وقوة كامنة، يجب أن تُوجه الوجهة الصحيحة التي تُرضي الله وتخدم مصالح المسلمين. فالجهود، والقوة، والبأس، والأسلحة التي يمتلكها المسلمون يجب أن تُستخدم في:
مواجهة الأشرار وقتال الكفار: فالأعداء الحقيقيون للأمة هم من يتربصون بها، ويسعون لتدميرها، واحتلال أراضيها، وسرقة خيراتها. ويجب أن تُوجه القوة لردع هؤلاء الأعداء والدفاع عن المقدسات والأوطان.
* نصرة الدين وإعلاء كلمة الله: القوة يجب أن تُستخدم لنشر العدل والحق، وإزالة الظلم، والدفاع عن المسلمين المضطهدين في كل مكان، وإظهار سماحة الإسلام وعدله للعالم.
* إغاثة المسلمين المضطهدين: هناك ملايين المسلمين يعانون من الظلم والاضطهاد والحروب في بقاع الأرض. الأمة يجب أن توحد جهودها وقوتها لإغاثتهم، ونصرتهم، ورفع الظلم عنهم، وتوفير الأمن والسلام لهم.
لا يجوز أن تُستخدم هذه القوة والبأس في الاقتتال فيما بينهم، في صراعات لا تُفضي إلا لمزيد من الضعف والتمزق، وتُقدم الأمة على طبق من ذهب لأعدائها المتربصين.
وأخيرا أيها المؤمنون أيها العقلاء أيها الحكماء:
احتكموا لشرع الله وارضوا بحكم الله واضبطوا أنفسكم وتحكموا في انفعالاتكم وكونوا على يقين أن مصلحتكم وعزتكم في إيمانكم وقبولكم لحكم الله، وأن في ضبط النفس والاحتِكام لشرع الله منافع عظيمة وجليلة.
فعلى النقيض تمامًا من الثأر، فإن ضبط النفس والالتزام بحدود الله والاحتِكام إلى شرعه يحققان منافع لا تُحصى، فرديًا ومجتمعيًا، ويُقويان الأمة في مواجهة تحدياتها:
وأول تلك المنافع رفع الظلم وتحقيق العدالة الحقيقية:
فشرع الله يقيم العدل بإنصاف، بالبحث عن الحقائق، وإقامة البينة، ومعاقبة الجاني وحده دون غيره.
وهذا يضمن أن العقوبة تكون بقدر الجرم، ويُبعد عن الظلم الذي يسببه الثأر، ويُرضي نفوس المظلومين بما شرعه الله.
وشرع الله يحفظ النفوس والأعراض والأموال: وبتطبيقه تُصان الضرورات الخمس، ويُحفظ الأمن في المجتمع، ويُعيش الناس في سلام، مطمئنين على أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم.
* وعندما يحتكم الناس إلى الشرع، فإن باب العفو والصلح يفتح، وباب الشر يغلق، وتُطفأ نار الفتنة قبل أن تستعر.
وهذا يُعزز التآلف والرحمة بين أفراد المجتمع، ويُقلل من الأحقاد والضغائن، ويُقوي من صف المسلمين ووحدتهم.
* ومن منافع ومصالح الاحتكام لشرع الله بناء مجتمع مستقر ومزدهر:
فالمجتمع الذي يحكمه شرع الله ويسوده الأمن والسلام، يتمكن أفراده من التركيز على العلم والعمل والبناء، مما يؤدي إلى التقدم والتنمية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.
وهذا هو ما يُخيف الأعداء ويزيد الأمة قوة.
وفي الاحتكام لشرع الله سلامة من الكفر والفسق والنفاق ونيل للأجر والثواب من الله:
وضبط النفس، والاحتِكام إلى شرع الله، والعفو عند المقدرة، هي من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وينال عليها الأجر العظيم في الدنيا والآخرة.
ومن منافع البعد عن الثأر وتحكيم شرع الله تحقيق السكينة والطمأنينة النفسية:
فالإنسان الذي يرضى بحكم الله، ويضبط نفسه عند الغضب، يعيش في سكينة وطمأنينة نفسية، بعيدًا عن القلق والتوتر الذي يسببه الثأر.
إخواني الكرام حفظكم الله جميعا:
الثأر إذن هو جاهلية عمياء، و وسوسة شيطانية تُبعد الإنسان عن طريق الحق والهدى، وتُشغل الأمة عن أعدائها. السبيل الوحيد للخلاص من هذه الآفة هو العودة الصادقة إلى دين الله، والتسليم لأحكامه، والاحتِكام إلى شرعه وقضائه، ونشر ثقافة ضبط النفس والعفو والتسامح في المجتمع، وتوجيه كل الطاقات والقوى لمواجهة التحديات الخارجية ونصرة قضايا الأمة العادلة.








