ثروة أفريقيا.. اكتشاف علمي يضاعف قيمة “ميومبو” ويشعل حرباً مالية

أبين ميديا /متابعات /رشا عبد المنعم
في قلب أفريقيا، يختبئ كنز لم يدرك العالم قيمته الحقيقية إلا مؤخراً، كشف بحث علمي جديد عن مفاجأة مدوية: غابات الميومبو الشاسعة، التي تمتد على مساحة توازي حجم المكسيك بأكملها، تخزن ضعف كمية الكربون التي كان يُعتقد أنها تخزنها.
هذا الاكتشاف لم يغير فهم العلماء للمناخ فقط، بل ضاعف قيمة الغابة المالية بين عشية وضحاها، محولاً معركة الحفاظ عليها إلى سباق محموم تبلغ قيمته مليارات الدولارات.
يُطلق على غابات الميومبو لقب “غابات الجمال”، وهي ليست مجرد أشجار؛ بل هي شريان حياة لأكثر من 300 مليون شخص، وهي موطن لأكبر هجرة للثدييات في العالم، حيث يسافر ما يصل إلى 10 ملايين خفاش فاكهة ذي لون القش من جميع أنحاء أفريقيا ليتجمعوا فوق الغابة بين شهري أكتوبر وديسمبر.
وهي موطن لأكبر هجرة للثدييات في العالم، حيث يتجمع فيها ما يصل إلى 10 ملايين خفاش فاكهة كل عام، كما أنها تدعم بعضاً من أكبر أعداد الأفيال المتبقية في القارة.
وعلى الرغم من أهميتها القصوى، فقدت الغابة نحو ثلث غطائها في العقود الأخيرة، لكن الاكتشاف الأخير قد يغير هذا المصير.
تكنولوجيا “ليدار”
السر وراء هذا الاكتشاف يعود إلى تقنية متطورة تُعرف باسم “ليدار” (Lidar). فبدلاً من التقديرات القديمة التي كانت تبالغ في تبسيط الأمور، استخدم العلماء تقنية المسح بالليزر لرسم خريطة ثلاثية الأبعاد للغابة بأدق تفاصيلها.
كشفت هذه الخريطة أن الغابة تخزن 3.7 مليار طن متري إضافي من الكربون، وهو رقم يفوق إجمالي انبعاثات الصين لعام 2023.
هذا الكشف ليس مجرد رقم علمي، بل له تأثير مالي مباشر. فوفقاً لـاتفاقية باريس للمناخ، تتيح المادة 6 للدول بيع “أرصدة كربون” للشركات أو الدول التي ترغب في تعويض انبعاثاتها.
وبما أن قيمة الغابة المالية قد تضاعفت فعلياً، فقد تضاعف الحافز المالي لدول جنوب أفريقيا لحمايتها بدلاً من قطع أشجارها.
تحالف بـ500 مليون دولار
رداً على هذا الاكتشاف، تم تشكيل تحالف ميومبو للترميم في سبتمبر 2024، وهو شراكة ضخمة تضم 11 دولة أفريقية ومنظمات بيئية وشركة ترافيغورا العالمية لتجارة السلع، التي تعهدت بتمويل قدره 500 مليون دولار لترميم الغابة.
تم الإعلان عن أول مخطط تجريبي للتحالف في مؤتمر الأطراف كوب 29 للمناخ في أذربيجان في نوفمبر 2024، ويُنظر إلى هذا التحالف على أنه قد يصبح “أكبر مبادرة لإزالة الكربون القائمة على الطبيعة في العالم”.
ومع ذلك، لم يخلُ الأمر من الجدل، فقد حذرت راشيل روز جاكسون، من منظمة “المساءلة للشركات”، من أن المادة 6 غالباً ما تعمل كـ”تصريح للتلوث”، حيث تدفع الشركات الكبرى المال لتعويض انبعاثاتها بدلاً من تقليلها فعلياً.
وتستند جاكسون إلى دراسة أجريت عام 2023 وجدت أن 12% فقط من الأرصدة الحالية تمثل في الواقع تخفيضات حقيقية في الانبعاثات، وتصف جاكسون سوق الكربون بأنه “مليء بالثغرات” و”لا يعمل على الإطلاق”، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذا الحل.
في خضم هذا الصراع المالي والعلمي، تظل القيمة الحقيقية للغابة أعمق من الأرقام، يقول إدوين تامبارا، من مؤسسة الحياة البرية الأفريقية، إن الغابات الجافة مثل الميومبو غالباً ما يتم التقليل من شأنها مقارنة بالغابات المطيرة، رغم أنها توفر لسكانها كل شيء: من مواد البناء المقاومة للنمل الأبيض والأغذية وحتى الأدوية التي تشفي من آلام الأسنان.
يؤكد تامبارا، الذي نشأ في زيمبابوي محاطاً بالغابة، أن المجتمعات المحلية لديها “الكثير من المعرفة الأصلية” التي يجب الاستفادة منها للحفاظ على الغابة.
وكدليل على ذلك، يذكر مشروعاً قدمت فيه المؤسسة نوعاً من قصب السكر المقاوم للجفاف للمزارعين في تنزانيا، مما أدى إلى زيادة بنسبة 70% في محاصيلهم، وقلل بشكل كبير من الحاجة إلى إزالة الغابات للتوسع الزراعي.
إن الحفاظ على الميومبو لا يتعلق فقط بالكربون أو بمليارات الدولارات، بل هو التزام بحماية حياة الناس والتنوع البيولوجي الذي يعتمد على هذا الكنز الأفريقي الفريد.








