قصة : ســـعـيـدة بنت الأصـــول

✍🏽 مــحــمـد عــكـــف زنجبار

سعيدة فتية رائعة وفائقة الجمال، فاتنة، كل من شاهدها احبها وتمنى أن تكون من نصيبه !
أحبت سالم ابن عمها بكل جوارحها وبكل ما أُوتيت من مشاعر وأحاسيس، وتعلقت به بجنون لشجاعته وعفويته ورجولته وصلابته وصدقه وإخلاصه.

فبادلها الحب بالحب أضعافا ً مُضاعفة حتى صارت كل اهتمامه وشغفه !!

قطعت على نفسها عهدا ً بأنها لن تنقاد ولن تطأطئ رأسها، ولن تكشف محاسنها وتفك ظفائرها إلا لسالم !
اقترنت به وكانت قمة في السعادة والفرح والسرور وكأنها طائرٌ يحلق في عالم مخملي لايليق إلا بهما.
عاشت معه أجمل وأحلى أيام حياتها، علَّمها كل الفنون أخرج كل ماتكتنزه من مواهب مكنونة، جعلها كالنجمة في السماء .

كثر حسّاد سالم بسبب هذا التقارب والانجذاب مع سعيدة !! وجلهم من الزملاء والاصدقاء !

فكانوا يناصبونه العداء والبعض يضمره وكان يتجاهل ذلك لعل الايام تتكفل بهم ويدعونه وشأنه!

وذات يوم ٍحدث مالم يكن في الحسبان !

جريمة بشعة مرّوعة دُبِرت بليل نُسِجت من قبل زملاء وأصدقاء سالم، فزعت لها كل الناس !كيف لا والمجني عليه من كبار القوم!

أصدقاء وزملاء سالم أشاروا بأصابع الاتهام نحو سالم ولفقوا الأدلة الكيدية وفصّلوها على مقاسه!

كان لزاما القبض على سالم ومحاكمته، ولكن إحساسه بالظلم وفداحة فعلهم دعاه للدفاع عن نفسه.

تكالبوا عليه وتمت المواجهة، ووقفت معه ثُلة من محبيه، ولكن دون جدوى،فالكثرة تغلب الشجاعة.

وخوفا ً من الفتنة وسفك الدماء البريئة استسلم، ولم يعرف بعدها مصيره !ولم يسمع عنه أخبار أو محاكمة !

تناقضت وتواترت الأخبار ،فبعضها ينفي قتل سالم وبعضها يؤكد، فحزنت سعيدة أشد الحزن على غياب بهجة وأمل ونور حياتها.

حزنت وهي تفتقد الرجل النبيل بعد عشرة ثمان سنوات غاية في الروعة.

وبكت عوضا ً عن الدموع دما ً وهي تعلم علم اليقين بأن سالم ظُلِم

وأنه بريئ مما نسب إليه من جرم ،برآءة الذئب من دم ابن يعقوب!.

ولم تفقد الأمل في عودته !

أعتّدّت سعيدة وأُلزِمت الحداد واتاها أهلها بعريس جديد كما هي الأعراف والعادات المتبعة،لم تبدِ أي مقاومة فهي بنت الأصول !

تزوجت العريس الجديد عبده وهي مكرهة أحتراما ً وتقديرا ً لذويها ،ولكن سعيدة لم تنجذب للعريس الجديد فكأنه تزوجها عنوة ً! مبديا ً شغفه وحبه لها يتغنى لها شعرا ً ويقصد غيرها ولطالما أحب عبده الشعر والشعراء.

مسكينة سعيدة!

لم يبدِ عبده نوايا حسنة تجاهها فجعلها تعيش في قلق وخوف وتوتر وكأنه يعايرها انتقاما ً منها، لتفضيلها سالما.
كان عبده يحب الفن والطرب ولم يلقِ لها بالا في الغالب.

تمادى عبده في غيه، وراح يؤذي الناس بالدس والنميمة والمؤامرات والاغتيالات والتنكيل ولكنه تناسى بأن الله يمهل ولايهمل وبأن المكر السيئ لايحيق إلا بأهله !

فأمر رجاله يوما ً بأختطاف احد الرجال النافذين لغرض في نفسه، وانكشفت اللعبة وكانت عاقبتها هروبه وخروجه من البلد بعد زواج لم يستمر غير سنة ونصف.

تنفست سعيدة الصَعداء بعد ان طلقتها المحكمة غيابيا ً من عبده ! ولكن هي الأعراف والتقاليد فسعيدة لم تزل فتية ومن العار أن تظل بدون زوج .

قبِلت بالزوج الجديد !كيف لا وهي بنت الحسب والنسب بنت الأصول ولن تخذل أهلها وتخالف عرفهم مع أنها لاتزال محطمة ولم تزل تذكر (سالم ) !

الزوج الجديد علي الأول حاول إسعادها بكل السُبل ! غازلها كثيرا ً! وغنّى لها :(كل ما بتقول أمرك مرحبا …)مرارا ً وتكرارا ً ولكن القلب ومايهوى ! :
(نقَّل فؤادك حيث شئت من الهوى
مالحب إلا للحبيب ِ الأول ِ
كم منزل ٍ في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا ً لأول منزل)**

علي الأول زوج طيب أحب أن يحسّن علاقته بالجيران لكي يتسنى له تحسين وإصلاح ماأفسده ُ عبده ولكنه وجد معارضة شديدة من المقربين ونعتوه بالجبان ونعوتً أخرى كثيرة حاول وحاول دون جدوى ..

ظل يسير في طريقه بحسب قناعاته وبعكس مايراه اصدقائه وزملائه ! ادى ذلك إلى انتكاسات وإرهاصات كثيره أوصلت الأمور إلى طريق مسدود، وحدثت المواجهة بين علي وزملائه،كان ضحيتها قتلى وجرحى كُثر!

هرب علي الأول بصورة دراماتيكية وبشكل غير متوقع وترك سعيدة لحالها بعد أن تطورت الأمور وخرجت عن سيطرته بعد زواج دام ست سنوات عاشتها بهدوء وسكينة !

بعد هروب علي الأول،حزنت سعيدة وتذكرت استبسال سالم وصموده، فبكت وندبت كثيراً، وتألمت وكم تمنت بأن تترك دون زوج، وازدادت حسرتها مرارة، ليقينها بأن أهلها لن يتركوها دون زوج!

فهاهو علي الثاني! تزوج سعيدة وهي تستجر ألماً وحسرة، وتندب حظاً عاثراً، ولم تستطع استيعاب مايحصل لها من نكسات وفشل وعدم استقرار!

فارقت الابتسامة محياها، وباتت تشعر بالخوف والقلق وفقدان الأمن والأمان والدفء!

فحاول علي الثاني أن يعيد الابتسامة لحياتها، ولكن اليأس ظل رديفاً ولصيقاً بها، لما تلمسه من نبضات علي المضطربة والمتسارعة، وارتجاله في مجمل قراراته!

فخطرت لعلي فكرة لطالما راودته، وهي بأن يذهبا في رحلة إلى بلد مسعدة، أخت سعيدة لعلها تبتهج وتسر.

فانقسم أهل واصحاب علي الثاني إلى قسم يؤيد الرحلة، والآخر معترض ومتوجس خيفة منها، لما فيها من مخاطر جمة على حياة ومستقبل سعيدة، ولكن إصرار واستعجال علي كعادته كان أقوى!!

فذهبا معاً، والتقت الأختان بعد غياب طويل، فتعانقتا عناقاً حار، وذرفت العيون الدموع {الله الله من ثنتين، من بعد غيبة تلاقين، وبواقع الحال يتشاكين…..}

ارتمت سعيدة المنهكة، في حضن مسعدة، وهي تبكي بحرقة شديدة، ومسعدة تطبطب وتربت عليها وتحتضنها بحرارة ولهفة!!

ولم تكن مسعدة أفضل حالاً من سعيدة فهي تعاني وتئن بصمت! إلا أنها تبدي تماسكا وصبرا!

ـ أهلا ً وسهلا ً بأختي الحبيبة الغالية ، أهلا ً بسعيدة، هوّن عليك، أهلا بك من بعد الغياب ، كان الله في عونك ،،كنت أتتبع أخبارك واتألم وأحزن لحزنك،، .

كان زوج مسعدة (علي الشاطر) ،،أسم على مسمى،، امتاز بالفهلوة والمكر و،،الذكاء المدمر،، لم يكن يهدف من اجتماع الأختين غير الاستحواذ على خيرات ومدّخرات وممتلكات سعيدة وإذلالها وأهلها، وكان دائماً يبدي مالم يضمره،،تقية،،!.

فكان لابد له من خطة محكمة لتنفيذ ذلك، وليس هناك أفضل من دغدغة المشاعر والأحاسيس، وكسب الود، وإظهار التعاطف، فأظهر تألمه للحال الذي وصلت إليه سعيدة! وبدأ يذرف ,دموع التماسيح !.

وبما أن الاتحاد قوة اقترح على علي الثاني بأن يعيشوا معاً ،،وتتوحد،، كلمتهم وممتلكاتهم وتكون شراكة أخوية للأبد!

ونظراً للحالة المتعبة التي مروا بها، وافق علي الثاني على ذلك ظاناً بأنه الرابح!

وبعد أربع سنوات من إدارته للشركة تمكن علي الشاطر من لملمة ولف خيوط اللعبة بيديه ،فجعل كل شيئ باسمه وعائلته وحاشيته, ولم يتنبه علي الثاني لذلك, إلا بعد فوات الأوان.

فصاح علي الثاني واشتكى وبكى، ولكن دون جدوى ،،فالقانون لايحمي المغفلين،،!

فعاد علي الثاني من سفره ،،بخفي حنين،، واعتكف لعل علي الشاطر يرجع عن غيه, ولكن علي الشاطر وجد مالم يكن في الحسبان!

فثروة سعيدة طائلة جداً لاعد لها ولاحصر! تسيَّل لعاب أياً كان!

فاخذ علي الثاني يطالب علي الشاطر بفك الشراكة، فرفض الشاطر متحججاً بأنها ،،خط أحمر،، شراكة أخوية مقدسة سرمدية بحسب الاتفاق (الشراكة أو الموت)!

صاحت سعيدة وبكت وولولت وأنشدت بلسان الحال :،،ضيعتني ياعلي!…

تجمَّع أهل علي الثاني لاسترجاع حقهم المسلوب، ولكن علي الشاطر قد أعد العدة مسبقاً، وكان أهله أكثر عدداً وعدة.

واندلعت الحرب وحُسِمت للشاطر.

هرب علي الثاني وهو يعض أصابع الندم والحسرة والألم،بعد أن أضاع سعيدة وسلمها للشاطر على طبقا من ذهب.

أصبح الشاطر الآمر الناهي الأوحد ،،كالملك المتوج،، دون منازع!

ظلت سعيدة طوال تلك الفترة ،تعيش تحت كنف الشاطر كتابعة ذليلة خانعة له بحكم الشراكة!
وباتت تندب حظها وتعاستها وفراق سالم.

عاث الشاطر وصحبه وأكثروا في الأرض الفساد!

وبعد ثلاثِ وعشرين سنة سلباًُ ونهباً وقتلاً وشراء ذمم ،هب المظلومون من أهل مسعدة وسعيدة ضد الشاطر للإطاحة به، وسالت الدماء، لتعنته وعناده!

وبسبب الضغوط الشديدة التي لاقاها، أراد أن يخدع الكل كعادته، فتنازل صورياً، تاركاً له خط رجعة، وجعل الإدارة بزعم قوله في (أيادي آمنة)!.

فكان له نائب خبير، هُمش من قِبَله، يُدعى عبدالرب، من اتباع علي الأول، صاحب حنكة كبيرة استهان بها الشاطر، وأتى به كي يجعل منه (دمية) يحركها كيف يشاء!

فسلّمه الشركة بعد إفراغها من مضامينها، وجعلها جوفاء، مجرد صور وهياكل!

وكان كبار القائمين عليها لايدينون بالولاء لعبدالرب، بل ظلوا موالين لعلي الشاطر، لما يمتلكه من نفوذ وتأثير!

حاول عبدالرب قيادة السفينة للبر، لترسو في مرافئ آمنة، لكن ظلت أمواج الشاطر تتقاذفها بقوة لتفشلها!
أظهر عبدالرب من الشجاعة والمكر والدهاء مالم يكن في البال والحسبان .

فعمل على تفكيك منظومة علي الشاطر القبلية،
المستفحلة والمعقدة وتشتيت زبانيته وعسكره وجعلهم في مهب الريح.

تلك المنظومة التي لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها أو حتى التفكير في أزالتها!.

وأمام إصرار عبدالرب (وشبَه عن الطوق).

اتفق الشاطر مع شرذمة الشر والرفض، للاستيلاء على الشركة لتخريب كل شيئ، وبما انه خبير في الفتن والفوضى الخلَّاقة، وحياكة الدسائس سهّل الطريق للشرذمة ومكنهم من المال والسلاح ومدّخرات الشركة بلسان حال،،أنا ومن بعدي الطوفان،،
فحاصروا عبدالرب وجعلوه رهن الاعتقال!
وبعدها كان لزاماً التخلص من الشاطر، (والذي بدوره ارتكب اكبر غلطة في حياته بتحالفه معها وتسليمها ،رقبته، فهو عدو الأمس، فلايمكن أن يكون صديق اليوم.

وبعد أن قويت شوكتها،وأصبح الشاطر في أضعف حالاته،ولطالما تحينت فرصتها في تصفية ثأراتها معه، فهاهي اللحظة المناسبة قد أزِفت!

فلعنات ودعوات المظلومين أصابت الشاطر، وسلبته حنكته ودهاءه، فسلط الله عليه عدوه، فأهانه وأذله وعذبه ثم اهلكه، هكذا تكون نهاية الراقص على رؤؤس الثعابين !،،يلدغه ثعبانه،، !

فكانت عاقبته، بأنه مات محاصراً وحيداً، لاعزة ولا كرامة!.

ظل عبدالرب رهن الاعتقال والإقامة الجبرية لعدة أشهر وحيداً أعزل ،،بلا حول ولاقوة،، بعد أن تخلصت الشرذمة من خيرة رجاله وبعدها ،،وبطريقة أشبه بالسحرية،، تمكن من الهرب والعودة إلى مسقط راسه،يجر أذيال الخيبة والندم، ولم يشفع له أخلاصه للشاطر وأنه كان أحد رجالاته وأذرعه!

وماكان من شرذمة الشر والرفض إلا أن تلاحقه للتخلص منه وانتزاع شرعيته من الشركة وخاضت معه حرباً ضروساً بلاهوادة!

فطلب عبدالرب المساعدة من الأشقاء والجيران لمحاربة شرذمة الرفض الخبيثة، وإعادة الشركة لذويها بحسب الأصول، ولما تشكله هذه الشرذمة من خطر وتهديد لمصالح كل الجيران!

لبَى الأشقاء النداء،وحاربوا، جنبا إلى جنب مع عبدالرب وبعد دحر الشرذمة، أصبح الأشقاء هم الآمر الناهي!

فتم التخلص من عبدالرب بما أنه أصبح عائقاً ويحد من نفوذهم وادارتهم، فأُخرجوه خارج البلد!

فشكلوا مجلساً للشركة ليتسنى لهم المضي قدماً!

وباتت سعيدة في أسمال مرقعة بالية تئن وتتوجع وتعيش في ضياع، وتحن لعهودها و تبكي سالماً، وتحلم بعودته وتدندن بصوت رقيق متهدج ممزوج بسلاسة السهل، وقوة الجبل، وسعة الساحل

: ،،سالم ياحبيب الشعب ماهي بقيلات
رد للكادح المعدم حقوقه وذي فات،،….
____👋🏼_____

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى