سحر عبداللاه تكتب قصة قصيرة بعنوان “ورم”

كتب ـ سحر عبداللاه صالح
امتثلتُ أمام المحكمة وكانت هذه المرّة الأولى التي تطأ فيها رجليّ هكذا مكان، كانت مشاعري مضطربة والخوف لا يتزحزح من قلبي وقد انعكس ذلك على وجهي الذي بدا شاحبا وعيني المتورمتين من قلة النوم والبكاء، فلا يفصلني سوى ساعات لتحديد مصير حياتي.
كيف وصلت إلى هذا الحال وأنا التي كانت تحلم بمستقبل واعد لينتهي بي بجريمة قتل.
وقتئذ عندما حان موعد استجوابي من قبل القاضي عن سبب ارتكابي هكذا جريمة وقد أخبرني المحامي الذي وكله والدي لي أن لا اعترف حتى لو كانت الأدلة تدينني وأنه سيسعى جاهدا ليغير مجرى المحاكمة لصالحنا.
حينها تحركت شفتاي وإذا بي أرمي تلك الكلمات قائلة:
– نعم لقد كنت السبب في وفاته ولكن أبي أيضا كان شريكي بالجريمة..
توسعت عينا والدي وقتها ودوت أصوات الحاضرين في القاعة حتى أسكتهم القاضي بصوت المطرقة ليستأنف الحديث معي :
– ما الذي تقصدينه يا شهد؟! هل بإمكانك أن توضحي أكثر؟
التفتّ إلى والدي…كانت علامات الاستفهام والتعجب مرسومة على وجهه، هذه المرّة لم أخف من تعابير وجهه كالسابق حين أمرني أن أسجل في كلية الطب حتى يحضى باحترام العائلة والأصدقاء وأكون قد حذوت ذات الطريق الذي خططته عائلتي، فالجميع إما مهندسون أو أطباء ولا يجب أن أكون معلمة تاريخ كما أحلم فباعتقاد والدي أنه خزي وعار أن أختلف عنهم وأسلك طريقي الخاص الذي لطالما حلمت به وأبدعت فيه.
حاولت عنذئذ أن اقنعه بأن مجال الطب لا يناسبني وأنّني أخاف من وخز الإبر ولكن دون جدوى وكانت مرحلة الدراسة الجامعية بالنسبة لي عبارة عن كابوس مرعب حتى انتهت وأنا بحالة نفسية سيئة دون أن ينتبه للتغيرات التي طرأت عليّ كل هذه السنوات.
لم أعد أحبّذ الخروج ومشاركة العائلة في المناسبات، وبات همي كيف أرضيه وأحصل على درجة امتياز، وما إن تخرجت حتى أوصى صديق طفولته الذي يترأس مشفى خاصة كبيرة فقام بتوظيفي وهو في قمة السعادة من الإنجاز الذي حقّقه.
كيف سأواجه الأمر الآن وأنا في مشفى حقيقي وأرواح بشر بأمانتي ولكن خوفي من والدي كان طاغيا إلى أن دخلت أول عملية لي وقد كانت الصبع الزائدة وكنت مساعدة الطبيب وقتها.
دخلت ونبضات قلبي تتسارع وفجأة شق الطبيب بطن المريض وأنا التي كانت تتقيأ في كل مرة بهكذا مواقف في الكلية لمجرد فعل ذلك ولكن حاولت أن أتدارك الأمر وفجأة طرأ أمر عاجل يستدعي خروج الطبيب ففوض الأمر لي لإنهائه وكانت الصدمة عندما توترت وتسبّبت بنزيف داخلي من شدة خوفي مما أدى إلى وفاته.
هذا ما تكلمتُ به بالمحكمة فلم تعرني عائلتي اهتماما بما أرغب وآثرت نظرة المجتمع لها على حساب سعادتي وها أنا الآن في مكان كهذا لم أتخيل قط أن أكون فيها ومتهمة أيضا.
بعد أن أنهيت حديثي وبعد مرور ساعة صدر حكم السجن المؤبّد في حقي، فصرخت والدتي وطأطأ والدي رأسه وقد ذرف دموعا كالمطر الغزير وقبل أن يأخذوني اقترب مني ليبدي أسفة ولكن ما الفائدة وأنا وحدي من تتعاقب وتعيش خلف قضبان الحسرة والندم وقد سرق مني حلمي.
لم أتمالك نفسي وأحسست أنه سيغمى عليّ من هول ما يحدث لي… بدأت أرى ضبابا من حولي ولا قدرة لي على الكلام أو الصراخ… لم أستيقظ إلا على صوت منبه هاتفي.
لقد كان حلما، تنفست الصعداء حينها وبقيت ساكنة بمكاني لبرهة ثم نهضت وتجهزت للخروج والتوجه إلى مبنى شؤون الطلاب للتسجيل وهناك أحضروا لي استمارة وقمت بتعبئة بياناتي الشخصية وحين وصلت إلى كتابة رغبتي في اختيار التخصص سجلت كلية التربية تخصص تاريخ.







