كنز يساوي ثروة دول.. أسرار الذهب المفقود منذ عام 1708

أبين ميديا /متابعات /وائل زكير
منذ أكثر من قرنين من الزمان، ظل كنز ضائع من الذهب والفضة والمجوهرات الثمينة يشغل خيال المؤرخين وصائدي الكنوز حول العالم. يُقال إن هذا الكنز الأسطوري، الذي يعود إلى عام 1708، يساوي ثروة دول بأكملها، ويُخبأ في حطام سفن غارقة في أعماق الكاريبي، مخلفًا وراءه أسرارًا غامضة لم يكشف عنها الزمن بعد.
على مر السنين، كثرت القصص والأساطير عن هذا الذهب المفقود، والبحث عنه أصبح رحلة لاكتشاف التاريخ وعجائبه، حيث يمتزج التاريخ البحري القديم مع مغامرات القراصنة وأساطير الثروات الضائعة. من الكنوز المخبأة إلى الحطام الأسطوري، يظل هذا الكنز أحد أكثر الأسرار إثارة في العالم، ويثير الفضول لكل من يحلم بالعثور على ثروة تغير مجرى حياته.
تكشف قصة السفينة سان خوسيه الغارقة أسرار هذا الكنز المفقود، من تاريخه الغامض إلى محاولات اكتشافه والتحديات القانونية والأثرية التي واجهته على مدى أكثر من 200 عام.
منذ قرون طويلة، ظل البحر الكاريبي مسرحاً لأساطير القراصنة والكنوز الغارقة، حيث تختفي السفن المحملة بالذهب والفضة وسط أمواج هائجة أو معارك دامية. وبين عشرات القصص، تبقى حكاية سفينة سان خوسيه الإسبانية أكثرها إثارة وغموضاً، إذ تحمل لقب “الكأس المقدسة لحطام السفن” لما تحويه من ثروة هائلة تقدر بمليارات الدولارات.
رحلة السفينة الأخيرة
في الثامن من يونيو عام 1708، أبحرت السفينة الإسبانية “سان خوسيه” من ميناء بورتوبيللو في بنما متجهة إلى إسبانيا. كانت السفينة جزءاً من أسطول محمل بأثمن ما جمعته إسبانيا من مستعمراتها في أمريكا الجنوبية: ذهب من بيرو، فضة من بوليفيا، وزمرد من كولومبيا. وُضعت هذه الكنوز في خزائن محصنة داخل بدن السفينة، وقدرت قيمتها آنذاك بما يفوق قدرة أي قوة أوروبية على مقاومته.
لكن القدر كان يخبئ نهاية مأساوية؛ فبينما كانت السفينة تقترب من ميناء قرطاجنة على الساحل الكولومبي، اعترضتها سفن بريطانية في إطار حرب الخلافة الإسبانية. اندلع قتال عنيف، وأصابت إحدى القذائف مخزن البارود في “سان خوسيه”، مما أدى إلى انفجار هائل أغرقها سريعاً ومعها نحو 600 شخص، تاركة خلفها واحداً من أعظم الكنوز المفقودة في تاريخ البشرية.
كنز يساوي ثروة دول
تشير التقديرات الحديثة إلى أن السفينة كانت تحمل أكثر من 200 طن من الذهب والفضة والأحجار الكريمة. وإذا قُدرت قيمتها بمعايير اليوم، فإن الثروة قد تتجاوز 20 مليار دولار. وقد وصفت مجلة People الكنز بأنه “أثمن كنز في تاريخ الإنسانية”، في إشارة إلى قيمته الاقتصادية والثقافية معاً.
لغز الاكتشاف
بعد قرون من البحث، أعلنت الحكومة الكولومبية عام 2015 أنها تمكنت من العثور على حطام السفينة في أعماق البحر الكاريبي باستخدام غواصات آلية وأجهزة استشعار متطورة. وحسب تقرير لموقع ” Dive Magazine”، فقد أظهرت الصور التي التُقطت من الأعماق «مدافع برونزية منقوشة وصناديق خشبية متناثرة وعملات ذهبية تُعرف باسم الكوبس»، في مشهد يوحي بأن الحطام لا يزال يحتفظ بجزء من ثروته الأسطورية.
صراع على الملكية
لم يكن الاكتشاف نهاية القصة، بل بداية نزاع دولي وقانوني معقد، حيث طلبت طالبت بحقها في السفينة، باعتبارها سفينة حربية تابعة للتاج الإسباني، ولكن كولومبيا أكدت أن الحطام جزء من تراثها الوطني، خصوصاً أنه غرق في مياهها الإقليمية.
شركة إنقاذ أمريكية تُدعى Sea Search Armada زعمت أنها حددت موقع السفينة منذ الثمانينيات وتطالب بنسبة من قيمة الكنز.
وحسب تقرير لموقع The Week البريطاني، فإن النزاع حول سفينة سان خوسيه لا يدور فقط حول الذهب، بل هو معركة بين السيادة الوطنية والقانون الدولي”، وهو ما يعقد أي محاولات لاستخراج الكنز.
أبعاد إنسانية وتاريخية
لم يقتصر الجدل على الحكومات والشركات، بل امتد ليشمل شعوباً أخرى، فقد نشرت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية تقريراً قالت فيه إن “جماعات السكان الأصليين في بوليفيا تطالب بالاعتراف بحقها في هذا الكنز، باعتبار أن الفضة التي حُمِّلت على متن السفينة استُخرجت من المناجم التي عمل فيها أجدادهم قسراً”. هذا البعد الإنساني يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى القضية، حيث يصبح الكنز رمزاً للتاريخ الاستعماري أكثر من كونه مجرد ثروة مادية.
قيمة تاريخية تتجاوز الذهب
ورغم أن التركيز الإعلامي يدور حول الذهب والزمرد، فإن علماء الآثار يرون أن “سان خوسيه” تحمل قيمة تاريخية أكبر. فهي تمثل حقبة كاملة من الاستعمار الإسباني لأمريكا اللاتينية، وتجسد قصة التنافس الدموي بين القوى الأوروبية. إن استخراج السفينة بحذر قد يكشف عن تفاصيل جديدة حول التجارة البحرية في القرن الثامن عشر، وأنماط الحياة اليومية للجنود والبحارة.
في عام 2022، أعلنت الحكومة الكولومبية أنها ستطلق خطة متكاملة لانتشال الكنوز، بحيث يتم التعامل مع الحطام باعتباره تراثاً أثرياً لا مجرد غنيمة مالية. وكشفت التقارير أن السلطات الكولومبية تستعد لإرسال بعثات متخصصة مزودة بروبوتات أعماق لتوثيق الموقع قبل أي عملية انتشال واسعة. لكن حتى اليوم، لم يُكشف عن أي عملية انتشال كبرى، مما يترك الباب مفتوحاً أمام التساؤلات: هل سيخرج الذهب إلى النور؟ أم سيبقى أسيراً للأعماق لقرون أخرى؟








