ماكنت أتمنى يوما أن أجد نفسي في الألفية الثالثة ، بل في القرن الواحد والعشرين وأنا أنتسب لمجتمع يسلك العنصرية والقبلية والمناطقية في أبشع صورها ، ليس كالعنصرية والقبلية والمناطقية التي كانت تمارس في الجاهلية ؛ لأن تلك التي كانت تمارس في عصور ماقبل الإسلام لم تكن تخلو من بعض القيم والأعراف والأخلاق والرجولة إذ كانت هذه التقاليد مجتمعة تنهى صاحبها في كثير من الأحايين من بعض طقوس الظلم والسعي الحثيث لتدمير المجتمع ، وغيرها من الممارسات التي لايقبلها عقل سوي ولامنطق ، على حساب الفرد أو العائلة أو القبيلة أو المنطقة ، ليس هذا وحسب ، بل تجد المجتمع اليوم يستمتع باستنشاق روائحها الكريهة النتنة ، ويتلذذ بطعمها الأشد من العلقم مرارة ، ويحتسي بشراهة نقعها الأكثر خطرا من السم الناقع ، دون أن يشعر أولئك العنصريون بشيء مما يعانيه غيرهم من المجتمع المدني من دواعي سلوكهم النتن ، ومنهجهم القذر ، وتصرفاتهم الشاذة التي من شأنها تمزيق النسيج الاجتماعي … أوليس الأمر كذلك يافيصل ؟ بلى ياصادق ، بل الأمر أكثر من ذلك سوءا ، لكن قل لي يافيصل ما الذي جعل العنصرية والقبلية والمناطقية تتكدس بهذه الصور الشنيعة في حاضرتنا ، مع أن الرحالة والباحثين والسائحين يقولون إن الحواضر المشاطئة للبحار عادة مايكون أهلها أكثر مدنية ، وحبا للسلام ، وتقبلا للآخر ، وقدرة على التعايش معه ، بل أكثر انصهارا في بعضهم جسدا وروحا ؟ لعل في قولك ياصادق إصابة لكبد الحقيقة ، غير أن مانراه صباح مساء في حاضرتنا من التصرفات الشاذة والممارسات الهابطة ليس لقاطني الحاضرة شأن فيها إنما هو من فعل أولئك الزاحفين على الحاضرة ، أولئك الوافدين من القرى والأرياف ، واعلم ياصادق إن مثل هذه الأفعال الغريبة التي لم تكن تعرفها من قبل حاضرتنا ليست جديدة بل متجددة ، وإن شئت أن تعرف أكثر عنها ، فعد إلى مقدمة ابن خلدون إذ لم يترك هذا الباحث العربي شاردة ولا واردة في مثل تلك الأفعال المشينة والمعيبة إلا وتحدث عنها بشيء من التفصيل … لكن كيف ننجو من خطرها يافيصل ؟ الحقيقة إن خطرها عظيم ، ومصابها أليم ، ولولا ذلك ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رحل عنا وهو يحذرنا منها قائلا : دعوها فإنها منتنة ، وقال : أخوف ما أخاف عليكم منه العودة إلى العصبية الجاهلية ، ويعني بذلك التعصب للون أو الجنس أو القبيلة أو المنطقة ؛ ويعني كذلك أنك تعرف الحق جيدا لكنك تذهب متعصبا للباطل ؛ لأمر مما سبق أن ذكرت ، ومع أن التخلص منها أمر في غاية الصعوبة إلا أنه ليس مستحيلا ؛ ومن هنا فإن على كل فرد في مجتمعنا يشاركنا الإيمان بخطر العنصرية أن يصطف إلى جانب الخيرين في هذا المجتمع ، وينبذ العنصرية بكل أشكالها وصورها ؛ وذلك بالطرائق الآتية : 1- رفض العنصرية عبر الخطاب الصادق القول السديد في الندوات والمنتديات والملتقيات والتجمعات السياسية والدينية والاجتماعية 2- توعية النشأ بخطر العنصرية وتبعاتها المدمرة على الفرد والمجتمع ، وذلك بالخطاب القائم على الأخلاق الفاضلة ولم الشمل في المدارس والمساجد والكليات والجامعات وغيرها من دور العلم وتجمعات النشأ 3-عبر الأقلام الحرة التي تقول كلمة الحق ولاتخشى في الله لومة لائم ، أكان ذلك عبر الكتب والصحف والمجلات أو عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي 4-قول الكلمة الحرة والمعبرة عبر شاشات التلفزة والمذياع وغيرها 5- رفض العنصرية في السلوك اليومي والتعامل المجتمعي ابتداء من المنزل مع أبنائك وأهل بيتك وانتهاء بالمؤسسة التي تعمل فيها ، فضلا عن التعاملات اليومية في الأسواق والمطاعم وكل ملتقيات المجتمع … أحسنت يا فيصل وأتمنى أن تأتي نصائحك أكلها..