أيدٍ
كتب ـ محمد عكف
شده حديث الشيخ المجاهد عن الأيدي وأخذ يسافر بخياله، ويسرح مع كل نوع من تلك الأيدي.
أيدٍ عليا تعطي، وأيدٍ سفلى تأخذ، أيدٍ بيضاء صالحة، أيدٍ آثمة، أيدٍ تنفع وتعمر الأرض وتجعل الخراب عمرانًا، وأيدٍ تضر وتعطل وتهدم وتجعل العمران خرابًا… أيد وأيد وأيد. أيد معافاة صحيحة، وأيد مشلولة، وأيد مبتورة!
اضطرب ودبَّ في قلبه الخوف حين سمع أحد الحاضرين يسأل الشيخ:
ماهي الأيدي المبتورة يا شيخ؟
ذُهِل الجميع حين رأوا الشيخ وهو يشمّر كمّ قميصه، وينتزع ذراعه اليسرى البلاستيكية، واضعًا إيَّاها على الطاولة.
وأشار بيده الأخرى إلى جزء العضد المتبقي من ذراعه قائلاً: هذه هي اليد المبتورة!
زادت دقات قلبه من الذعر عندما رأى ذراع الشيخ المقطوعة، وجعل يتحسس يديه، ويقلبهما وهو ينظر إليهما، ويرفعهما إلى الأعلى وينزلهما.
ويسأل نفسه: أي نوع من الأيدي يداه؟!
حفرت كلمات الشيخ المجاهد في عقل ولب أحمد الطيب أثرًا لن يُنسى، تمنى لو أنه يقبّل يد الشيخ المبتورة وجبينه.
عاد إلى منزله وكانت كلمات الشيخ وحديثه وحركاته وسكناته هاجسًا يهاتفه ويحاكيه على الدوام، وتساءل مرةً أخرى عن يديه: أي نوع من الأيدي هما؟
فحين سألته تلك الفتاة الفاتنة وهي تبتسم وقد بدت أسنانها كبياض الثلج وقد أضفت فلجة ثنيتيها على محياها جمالًا لا يضاهى:
هل أنت أحمد الطيب؟
أجابها مشدوهًا وهو لايكاد يصدق ما يرى من جمال أخّاذ ورقة صوتها وعذوبته:
نعم ، نعم أنا هو.
فوضعت كف يدها الناعم في كفه فشعر بطراوة يدها ونعومتها فانتابه شعورًا جميلًا لم يعهده في حياته من قبل.
وسارت به على درب طويل تملؤه بتلات ورود حمراء وصفراء وألوان أخرى جميلة ورقيقة متناثرة على أرضيته وجانبيه، بدأ الطريق كبساطٍ مخمليٍّ تشكلت وتشابكت حوله وفي أعلاه مختلف الشجيرات الجميلة والورود، التي بدت كنفق أخضر قد صُمِّم بعناية هندسية فائقة.
حفتهم العصافير الجميلة بأشكالها وألوانها الزاهيةالجميلة مرفرفة بأجنحتها على طول النفق المنتهي إلى باب قصر عظيم البناء يحار الناظر إليه، قصر يحيط به سور مرتفع وحديقة تجذب الناظر إليها لما تحويه من خضرة وحسن أشجار وأزهار.
أراد أن يسألها من تكون؟ ومن أين أتت؟ ولكنه لم يجرؤ مخافة زوال تلك اللحظات السعيدة الرائعة الساحرة، ويفقد تلك اليد المضمَّخة بأريج المسك الفواح، والذي طغى على المكان وصار يتعاظم كلما ساروا.
وما أن بلغوا ذلك الباب العظيم منعته وصدَّته أيادٍ كثيرة من الدخول، فلم يدر أهي أيدي شر أم أيدي خير؟
وهل يدا تلك الفاتنة يدا خير أم شر ؟
ولكنه أيقن بأن يديه يدا شر.
أحس بوخزات وبلل في جسده ويدٍ غليظة توقظه وتهزه بشدة، واستيقظ وتلاشى ذلك الحلم الجميل كسراب في صحراء مقفرة، ورأى كف يدٍ صغيرة ناعمة تقبض كفه بحنان.
وأدرك بأن تلك اليد القاسية كانت يد زوجته الحبيبة توقظه من منامه متسائلة عن سر تلك الابتسامة العجيبة، ولمن كانت؟؟
وذلك البلل فعله ابنه الصغير ، وتلك اليد الناعمة كانت يد طفلته الصغيرة، التي لم تزل تمسك بيده.
*تمت*









