رحم الله أيام زمان.. أيام كانت للمعلم هيبة

 

 

كتب/ كمال الجعدني

رحم الله زماننا كان الواحد منّا لا يقدر على رفع عينه في مواجهة أستاذه ليس في الفصل بل في الشارع، ورحم الله زماننا كان فيه للأستاذ هيبته أمام تلاميذه وأمام المجتمع كله، وكان التعليم تنافسيًا ومطمحًا وحلمًا لجميع التلاميذ، ورحم الله زماننا كان الأستاذ تتخرج على يديه أجيال صالحة تنفع الوطن والمواطن.

زمان كنا إذا رأينا معلمنا في شارع تركناه وملنا إلى شارع آخر هيبة وخوفًا، وإذا ما وقف المعلم في الفصل شارحًا صمت الجميع ليستمع، حبًا للعلم وخوفًا من الفشل.

زمان كان المعلم هو القدوة، والرائد، والأب، ومصدر كل ما يزرع في النفوس والعقول من دروس العقيدة، وحب الوطن، والانتماء له، وكان المعلم نموذجًا لكل الأخلاق الفاضلة التي يتمثلها النشء، ويصبو إليها، أما الآن فيرقص التلاميذ داخل الفصل الدراسي على أهازيج معاناة معلمهم، ويستهزئون به وهو يشرح لهم الدرس، ويضربونه، ويسبونه، فأصبح المعلم لا حول له ولا قوة، فقد ذهبت هيبته، بذهاب مكانته من قوانين الدولة، فإذا حاول أن يسكت تلاميذه أسكتوه هم مرة بالتهديد، وأخرى بالوعيد ومرات بالضرب.

لقد ضاعت هيبة المعلم في مؤسساتنا التعليمية التي لم تحافظ على مكانة المعلم، فضاعت حقوقه ومستحقاته وطالته معاناة الفقر في ظل تدني الأجور وتأخر صرف المرتبات وعرقلة العلاوات المتعثر صرفها.

نعم لم تكن سلطة المعلم داخل أسوار المدرسة فقط بل كانت تمتد إلى خارجها، فإن واجه المعلم تلميذًا يمشي خارج المنزل بعد الخروج من المدرسة فإن العقاب سيكون مصيره من الغد مما جعل طلاب تلك الفترة يتحاشون الالتقاء بالمعلمين في الطرقات والأزقة ويهربون إذا رأوهم من بعيد كي لا يتعرفوا عليهم.

يقف طلاب اليوم للمعلم ليس احترامًا ولكن تبجحاً، وتطاولًا، وتلاسنًا، ولا نملك إلا أن نقول: أصلح الله ما فسد.

إن مقالي ليس للتشفي من اللحظة التي نمر بها بل حزنًا على ذاك الزمن الجميل الذي كان فيه للأستاذ هيبة ومكانة، فحين يدخل من باب المدرسة ترتعد فرائصنا وتنقبض أنفاسنا حتى تكاد الروح أن تغادر البدن. فتحية من أعماق القلب لأساتذة الأيام الخوالي الذين تحملوا المشاق والصعاب في سبيل تنوير العقول ومحاربة الجهل،

ورحم الله تعليم زمان ومدارس زمان ومعلمي زمان، ولا عزاء لمعلمي هذا الزمان الذي انتهت فيه هيبة المعلم.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى