“تي سَيْهد” أرض تنبت أبًّا وإباءً!

إعداد / د.سالم السلفي وعارف الفقيه

احتلت القوات الإمامية (الزيود) منطقة يافع سنة 1065هـ، وبقيت فيها زهاء ربع قرن، تحولت خلالها إلى قوة همجية، ليس لها همٌّ سوى جمع الضرائب والعشور من الفلاحين البسطاء، بطرق استفزازية، ومن دون مراعاة لحالة الفقر ومواسم القحط والجفاف؛ فرفض أهل يافع الظلم والاستبداد، وانتفضوا على هؤلاء الأجناد، وأخرجوهم من يافع صاغرين.

وكان لسلفة نصيب من هذا الظلم والاستبداد والاستفزاز، والمتتبِّع لوثائق سلفة في هذه الحقبة، يجد أن تحولاً ما طرأ على الوثائق، بعد مرور عقد من زمن الاحتلال، بدأ هذا التحول في النصف الثاني من سبعينيات القرن الحادي عشر الهجري، وعلى مدى عشر سنين تالية، على وجه التقريب. وتمثَّل هذا التحول في زيادات كتابية في أعلى الوثيقة من غير خط الكاتب الأصلي، وهذه الزيادات تؤكد الهيمنة والمركزية التي فَرضت على أبناء سلفة أن يقوموا بالمصادقة على وثائقهم في مكان آخر، لعله بلدة مسجد النور في مكتب الموسطة حيث كانت قيادة القوات الإمامية الزيدية تتمركز عسكريًّا وإداريًّا في يافع. وواضح أن هذا الإجراء لم يكن القصد منه سوى الإذلال والابتزاز المادي وإرهاق الناس بالطلوع والنزول.

ومثلما كان لسلفة نصيب من الظلم والاستبداد والاستفزاز، كان لهم نصيب من الرفض والانتفاض والمقاومة؛ إذ حفظت لنا الذاكرة الجمعية في سلفة حكاية مفادها أنه ذات يوم جاء أحد عساكر الإمام إلى سلفة لجمع العشور السنوية، قبل موسم الحصاد، وعندما وصل إلى طين “تي سيهد” بهرته سنابل الذرة الكبيرة المحملة بالحبوب البيضاء الناضجة، فأخذ في تخمين كمية محصولها وهو ما يزال في سنبله؛ ليرى ما هي نسبة العشير من ذلك ليأخذها في حينها، فأخذ يدور حول الأرض من كل الجهات، ولكن نفسه الجشعة لم تقتنع، فأخذ يخمنها من اليمين بكذا، ومن الشمال بأكثر من ذلك، ومن الأسفل بكذا، ومن الأعلى بزيادة.

نسي عسكري الإمام أن هذه الأرض لا تنبت سنابل فقط، وإنما تنبت إباءً أيضًا! فقد كان مالك الأرض، وهو من بيت الشعوذي السلفي، يدور معه حول الطين، وهو ينظر إليه بدهشة، ونفسه تتأجج غيظًا وحنقًا من سلوك ذلك العسكري المستفز، فلم يتمالك الشعوذي نفسه، فانقض عليه، وأمسك به من جانبيه، وحمله بين ذراعيه، ورمى به إلى الطين السفلى حيث دقت عنقه ومات.

كانت هذه الحادثة – كما يقال – من البدايات الأولى لاشتعال الثورة ضد عساكر الإمام (الزيود)، وسببًا في انتفاض يافع عليهم وإخراجهم منها سنة 1092هـ.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى