روبةمعلّقة

أبين ميديا/ محمد بالحمان

يُذكر أن أحد المعلمين من غيل باوزير الذين كانوا يدرَّسون في هذه القرية إبان الثمانينات أجاب حينما سأله أحدهم:
في أي منطقة تدرّس يا فلان ؟
أجاب قائلاً:
”في قرية ننزلها من قمم الجبال بالحبال“!
ضحكتُ كثيراً مستغربًا من قصة المعلم الطريفة!
تساءلت حينها هل يُعقل أن تعلّق قرية كهذه بين جبال شاهقة ووديان واسعة دون خدمات ؟ أم أنه مبالغ في الأمر ؟
قررتُ أن أقطع الشك باليقين، فانطلقت ظهر الجمعة من المكلا العاصمة تجاه هذه القرية النائية برفقة الدكتور فائز السومحي، والأستاذ هاشم العيدروس، والأخ العزيز أحمد الحامدي لمعرفة واقعها عن قرب ..
فما أن وصلت إلى مفترق طريقين بمنطقة رأس حويرة إحداهما يربط المنطقة ذاتها بدوعن، والآخر يؤدي بنا إلى القرية التي نحن قاصدون زيارتها، صُدمت بأن الطريق الذي سوف نسلكه غير مسفلتة البتة!!
يا الله .. طريق مسافته مائة كيلو كله ”قفقف“ و ”مطبات“، متى سنصل إذاً؟
هل نواصل طريقنا أم نعود إلى المكان الذي منه انطلقنا؟
لبثنا قليلاً في منطقة رأس حويرة الباردة، ثم قررنا مواصلة رحلتنا ونحن بين حالتي شغف المعرفة وقلق بُعد المسافة ..
مرت الساعة الأولى ثم الثانية نمشي في الطريق حتى مررنا بقرى الصرب، والفرضحة، وبريرة، ومناطق أخرى أنجبت مسؤولين كثر وليتها لم تنجبهم!
قرى تفتقر إلى أبسط الخدمات وبعضٌ من أبنائها الذين ترعرعوا بين جنابتها يعيشون حياة الرفاهية وسط المدينة غير مُبالين بوضعها الخدماتي وكأنها لم تنجبهم قط!
مش مصدق! مش مستوعب! أي مسؤولين هولاء ؟
مسؤولين ينتظر منهم أبناء مسقط رأسهم فعل القليل لا المستحيل فيخيّبوا ظنهم! سبحان الله!
واصلنا طريقنا ونحن مستاؤون مما رأينا حتى مضت قرابة خمس ساعات متواصلة لنصل حينها إلى عقبة ”الغُريق“ الطويلة التي يغرق الزائر في حفرها المشرفة على وادي عميق جداً تتواجد بداخله هذه القرية!
عقبة ضيقة جداً مليئة بالحفر، فأما أن تمشي بشكل بطيء جدا لساعة من الزمن حتى تصل أسفل الوادي سالمًا، أو أن تتهور فتصل خلال دقائق ميتًا، ولك القرار!
من هُنا بدأت أصدّق ما قاله المعلم الغيلي عن معاناة هذه القرية آنذاك والمستمرة حتى اليوم!!
نعم لا زالت مستمرة حتى اليوم!
أيعقل أن تمر عقود من الزمن ويظل الحال كما هو دون أدنى تغيير؟!
لا طرقات مسفلتة تقرّب مسافة الطريق الشاق ..
لا شبكات اتصالات ..
لا منظومة كهرباء!
لا اهتمام حكومي بالزراعة ودعم المزارعين!
لا مستشفى ريفي يعالج المرضى المساكين!
لا ولا .. ويطول شرح معاناتهم الإنسانية التي تعودوا عليها مُجبرين! بربكم، ماذا فعلت ”روبة“ حتى تُعذّب بهكذا معاناة دفعة واحدة ؟ ماذا صنعوا أبناء هذه المنطقة الخصبة حتى يعاقبوا بهذا الشكل .. ؟
للأمانة، ونقولها بكل جرأة، هذه المنطقة المهمشة عانت بما فيه الكفاية، ولم يزورها من المسؤولين الحضارمة أحد!
نعم لم يزورها من الحضارمة الذين تربعوا على كرسي المحافظة سوى اثنان غريبان عنها ومع ذلك لم يقدمان لها شيئا!
زارها الشماليان اللذان كانا محافظان لحضرموت في فترة ما وهما: هلال وابن خولان! وتنكّر عن زيارتها أبناء جلدتها المشهورين بالكرم والإحسان!
تحدثنا مع أهلها الكرماء النبلاء عن معاناتهم ..
فشرحوا لنا أشياء جمة ..
سألنا: ما هو المطلب الأهم لكم في هذه الفترة بالذات تريدون تحقيقه ؟
أجابوا بتفاؤل ظاهر بين تقاسيم وجوههم، وشعور ألم الإهمال والنسيان يعصرهم من الداخل: نريد من السلطة إصلاح عقبة «الغُريق» في أقرب وقت ممكن لأننا عانينا منها كثيرًا، وهذه أمانة يجب عليكم إيصالها..
ألا يوجد لكم مطلب آخر ؟

  • نريد منهم تحقيق هذا أولاً، وسنكون لهم عوناً وسنداً في كل ما يطلبون منا ..
    تعهدنا لهم بإيصال رسالتهم هذه إلى مدير الأشغال العامة والطرق والمحافظ بعينه، ولهم قرار إصلاحها من عدمها حينها ..
    مع العلم، عقبة الغريق مهمة جداً، وتعتبر الشريان الرئيسي الرابط بين حجر ودوعن بل هي الطريق الوحيد الرابط بين كلا المديريتين .
    سنوصل رسالتهم، ونتفاءل خيراً في “أبا عدنان” بسفلتة أو رصف هذه العقبة التي تبلغ مساحتها 9 كم لكي يكسب قلوب آلاف الناس البسطاء في مناطق دوعن ولبنة بارشيد ووادي حجر الذين عانوا منها كثيرا .. لكن بمجرد تحقيق مطلبهم البسيط هذا سيقنعون سريعا ..
    هم هكذا دائما أبناء الريف .. حقق لهم شيئا يسيرا .. سيظلون ممتنون لك أيّما بقيتَ حيا ..
    وتبقى المعاناة مستمرة ..
    ويبقى المسؤول الذي يلبي مطالب الناس هو سيدهم الأول والأخير ..
    إذا دعا فيهم لبّو ا نداءه .. وإذا اعتزى بهم كانوا سيفه الذي يضرب به أينما شاء ..
    ويبقى المسؤول الذي يخذل أهله وناسه قابع في مربع الفشل ..
    إذا دعاهم للالتفاف حوله .. أنكروه وتنكّروا إليه، ووقفوا في طريقه عائقا..
    وكل واحد بضميره يعمل ..
    ومثل ما تعمل .. تجني وتحصد

روبة_معلّقة

أغيثوا_أهلها

محمد_بالحمان

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى