حين يهدم بناء الله على أيدي من أوكل إليهم صونه.. بين وصية علي وسؤال عمر

كتب: د. مريم العفيف
في عالم يموج بالتحديات، وتتصاعد فيه وتيرة المسؤوليات، يقف الإنسان في قلب كل معادلة نجاح أو فشل. يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
“الإنسان بناء الله، ملعون من هدم بناء الله.”
كلمات تحمل في ثناياها أعظم الحكمة والرسالة، فهي تذكير صارم بأن كل إنسان هو جوهر وعماد، وأن كل من أوكل إليه أمر حفظ هذا البناء أو تدميره، يحمل وزرًا لا يُمحى.
وفي زمنٍ تنحرف فيه المفاهيم، وتُقلب القيم، تبرز صرخة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟”
هذا السؤال ليس مجرد قول في التاريخ، بل نداء دائم يتكرر في وجدان الأحرار، ودعوة لكل مسؤول وقائد أن يعيد النظر في جوهر السلطة التي يحملها.
إنسانية السلطة ومسؤولية البناء
إن وظيفة القائد والمسؤول ليست مجرد منصب أو رتبة، بل أمانة عظيمة تُحتم عليه احترام الإنسان وصون كرامته. فالإنسان، بصفته “بناء الله”، لا يجوز أن يُهدم أو يُستعبد تحت أي ذريعة كانت.
عندما يُنظر إلى الموظف كرقم أو أداة، وعندما تُمارس السلطة بشكل قمعي أو تعسفي، تُهدم بذلك القيم والإنسانية في القلب من أي مؤسسة.
ويحدث في علم النفس الإداري أن بيئة العمل التي يسودها الظلم والقهر تؤدي إلى تراجع الأداء، وانتشار الإحباط، وانهيار روح الإبداع.
بين وصية علي وسؤال عمر.. تطبيق في الواقع
وصية الإمام علي التي تدعو إلى اعتبار الإنسان أخًا في الدين أو نظيرًا في الخلق، وسؤال عمر الذي يرفض استعباد الإنسان، يشكلان معا معايير أخلاقية ينبغي أن تحكم كل علاقة سلطة.
في الواقع العملي، يتعين على المسؤولين والقيادات أن يعوا أن التمييز، والإهانة، والقمع ليست إلا علامات ضعف في القيادة وفشل في الفهم العميق لمعنى الإنسان كهدف أساسي للعمل.
الأثر النفسي والاجتماعي لتدمير البناء
التعامل الجائر يولّد آثارًا نفسية سلبية على الأفراد، منها الإحباط، القلق، الشعور بالظلم، ما يؤدي إلى انخفاض الكفاءة وزيادة معدلات الغياب، والتناقص في الولاء للمؤسسة.
بالمقابل، بيئة العمل التي تُبنى على الاحترام والتقدير تفتح أبواب الإبداع وتطلق طاقات الموظفين كامنة.
—
خاتمة
إن القيادة الحقيقية هي التي تبني ولا تهدم، التي تحترم الإنسان وتكرمه، التي تستمد قوتها من خدمة الإنسان، لا من استعباده.
كل مسؤول ينسى هذه الحقيقة العميقة، يكون قد خان أمانة عظيمة، وأصبح جزءًا من تدمير “بناء الله”.
وفي ظل وصية علي وسؤال عمر، تظل الكرامة الإنسانية هي المحك، والحرية التي فطر الله الناس عليها هي الحق الذي لا يسقط، مهما علت الرتب وارتفعت المناصب.








