قراءة اقتصادية سريعة .

.

كتب  ـ  سعيد علي بقرف

هنالك سؤال أساسي مهم في علم الاقتصاد من يأتي أولا الاقتصاد الجزئي أم الاقتصاد الكلي؟

لكن الجواب العام يأتي في أن الاقتصاد الجزئي عادة في المقام الأول سواءً من الناحية المنطقية أو من حيث كيفية تدريسه وذلك لعدة أسباب أهمها مبدأ بناء الكتل فيدرس الاقتصاد الجزئي سلوك الوحدات الاقتصادية الفردية بدءا بالمستهلكين (الأسر) والشركات والعمال ويُركّز على قرارات مثل كمية الإنتاج ونوع المشتريات وكيفية التسعير وكيفية تخصيص الموارد داخل أسواق مُحدّدة بينما يدرس الاقتصاد الكليّ الاقتصاد ككل ويتناول الظواهر المُجمّعة كالناتج المحلي الإجمالي ومستويات الأسعار العامّة (التضخم) والبطالة الإجماليّة والدخل القوميّ وأسعار الفائدة، والميزانيات الحكوميّة وموازين التجارة الدوليّة. لذلك المنطق يقودنا الى ضرورة فهم كيفية اتخاذ الأفراد والشركات للقرارات (الجزئيّة) قبل فهم كيف يُؤدّي مجموع هذه القرارات إلى النتائج واسعة النطاق التي تُدرَس في الاقتصاد الكلي لذلك تخيل أن الاقتصاد الجزئي هو دراسة الأشجار كلا على حدة بينما الاقتصاد الكلي هو دراسة الغابة بأكملها التي تُشكلها تلك الأشجار.

على الرغم من أن الاقتصاد الجزئي يأتي في المقام الأول منطقيًا إلا أن هذين المجالين مترابطان بعمق حيث ان هناك انعكاس بشكل مباشر على كلا منهما لذلك تؤثر الظروف الاقتصادية الكلية (مثل الركود الاقتصادي وارتفاع التضخم) تأثيرًا بالغًا على المستهلكين والشركات والأفراد (القرارات الجزئية)

كان من الواجب البدء بهذه المقدمة البسيطة لفهم الاطار العام وضرورة فهم المبادئ الأساسية للاقتصاد حتى نكون قادرين على الخروج بقراءة مبسطة للازمة الاقتصادية عبر بيان الآثار على الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي لذلك يمكننا حصر الآثار على الاقتصاد الجزئي تحت ثلاث محاور أساسية وهي ارتفاع التكاليف نتيجة لانخفاض قيمة الريال وارتفاع أسعار الواردات مسببه تضخم جامح ، ثانيا تراجع القوة الشرائية نتيجة ثبات الأجور في المقابل هنالك ارتفاع مستمر في الأسعار مما أدى بالنتيجة الى توسع دائرة الفقر ، ثالثا انهيار القطاع الخاص ولأسباب مختلفة أهمها تكاليف الإنتاج المرتفعة بالإضافة الى نقص السيولة مما تسبب في ارتفاع مستويات البطالة . بالمقابل تظهر الآثار على الاقتصاد الكلي من خلال ثلاث محاور أساسية كذلك وهي تضخم نقدي من خلال زيادة المعروض النقدي والذي تسبب بتضخم حاد، ثانيا عجز الموازنة نتيجة لانخفاض الإيرادات والاعتماد على تغطيته بطباعة النقد، ثالثا اختلال ميزان المدفوعات نتيجة العجز في الصادرات مقابل الواردات والذي أدى بالنتيجة الى مزيد من الضغط على العملة.

لذلك نرى ان المشكلة الأساسية تعتبر مشكلة مركبة أسقطت بنتائجها على الاقتصاد الجزئي والكلي وظهرت صوره المختلفة من خلال الآثار المشار لها أعلاه لذلك مسألة تعافي قيمة العملة ستنعكس آثارها على المجالين بشكل مباشر في الظروف الحالية وستعمل على تحسين مستوى الأسعار العام و تقليص فجوة التضخم الجامح وفقا لضوابط وآليات محددة ستساهم في تحقيق التوازن الاقتصادي والتعافي المستدام بشكل تدريجي ، لذلك كان من الواجب محاولة دراسة حالات مماثلة في دول مختلفة استطاعت أن تتعافى وتنقذ اقتصاداتها من خلال نماذج عملية أثبتت قدرتها على تحليل المشكلة وتقديم حلول ناجحة.

لذلك نقول ليس هنالك حل سحري للتعافي ولكن هنالك حزمة متكاملة بدءا من الإصلاح المؤسسي للقطاع المصرفي وسياسات نقدية ومالية صارمة ومرنة في ذات الوقت لذلك نرى ان الجذر الحقيقي للأزمة يتمحور في انهيار الثقة بالقطاع المصرفي وتمركز السيولة في السوق الموازي والذي أصبح يتحكم ٨٠٪ من تحويلات المغتربين كما أنه من يحدد سعر الصرف الفعلي بالإضافة إلى تمويله عمليات الاستيراد عبر قنوات غير خاضعة للرقابة إلا أننا قادرين على مواجهة هذه المعضلة بشكل عملي من خلال الاعتراف المؤقت بالسوق الموازي مع ضرورة احتوائه عبر تحويل الصرافين الكبار الى مراكز خدمات مالية مع اطلاق منصة الكترونية موحدة للتحويلات خاضعة للرقابة مع ربط تحويلات المغتربين بحسابات بنكية الكترونية وجعلهم شركاء في هذا الإصلاح بالإضافة الى إعادة بناء الثقة في النظام المصرفي مما سيساهم الى تفكيك احتكار السوق الموازي للسيولة واغراء المستوردين بالعودة للقنوات الرسمية الى جانب اصلاح المؤسسات عبر إنشاء هيئة نقدية مستقلة مع فرض حوكمة رقابية صارمة من خلال نظام تتبع لحركة الأموال داخل البلاد.

في المقابل لابد من تسليط الضوء على الجانب الاخر والمتمثل في مستوى الأسعار العام والتضخم كونهم جزء اصيل في الاقتصاد الكلي ومرتبط بشكل مباشر بما يقابلها في الاقتصاد الجزئي من الوحدات الاقتصادية الفردية والشركات وما يرتبط بها من قرارات في تحديد نوع المشتريات وكيفية التسعير ، لذلك لابد من الإشارة الى ضرورة وجود أداة فاعلة تساهم في تحقيق التوازن المطلوب دون تعريض الاقتصاد للخطر ولعل اهم الأدوات المقترح تفعيلها هي الشهادات الدولارية فهي ليست عملة بديلة بل أداة دفع انتقائية تصدر عبر البنك المركزي للقطاعات الاستراتيجية والمتمثلة بالمستوردين للغذاء والدواء والوقود تباع لهم بسعر صرف موحد قريب من سعر السوق وتستخدم لفتح الاعتمادات المستندية بالدولار لكنها لابد ان تكون مصاحبه لسياسات مالية متلازمة عبر تجميد طباعة النقد ، خفض الانفاق غير الضروري ، توحيد سعر الصرف الرسمي مع السوق بالإضافة الى إدارة الواردات فمن خلال ذلك نكون قد عملنا على إيجاد منافع ملموسة للمستوردين من استخدام تلك الشهادات وذلك عبر حصوله عليها بسعر صرف موحد اقل من السوق بواقع ١٠ – ١٥٪ مما يخفض تكلفة الاستيراد ، سرعة الإجراءات لفتح الاعتمادات المستندية عبر القنوات الرسمية ، منح دعم لوجستي من خلال تخفيض الرسوم الجمركية للسلع المستوردة عبر الشهادات ولمنع تحول تلك الشهادات الى أداة لتوسيع الفجوة لابد من فرض رقابة صارمة تمنع تداولها خارج القنوات الرسمية من خلال ربط كل شهادة بشحنة استيراد مسجلة و محددة ، تحديد موارد صندوق الشهادات والاعتماد على تحويلات المغتربين مع التدرج في التمويل التدريجي لاحتياجات المستوردين والبدء ب ٢٠٪ من احتياجات المستوردين بالإضافة الى انشاء منصة رقمية شفافة لتوزيع الشهادات خاضعة للرقابة.

 

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى