تغير مسارات التجارة العالمية يعيد تشكيل أساطيل الشحن البحري
أبين ميديا /متابعات /تشان هوهيم، أوليفر تيلينغ
يشهد قطاع النقل البحري تحولاً مع تغير خريطة التجارة العالمية، حيث يدفع تحويل مسارات الشحن من الموانئ الصينية إلى موانئ أخرى في آسيا مالكي السفن إلى تغيير توجهاتهم.
فبعد سنوات من التركيز على بناء سفن عملاقة، يتجه هؤلاء الآن نحو طلب سفن أصغر حجماً تتناسب مع متطلبات الموانئ الآسيوية الجديدة.
وكشفت بيانات شركة «برايمار» للسمسرة البحرية عن تراجع حاد في طلبات بناء السفن العملاقة، حيث بات من المقرر تسليم 6 سفن حاويات عملاقة فقط، من الفئة التي تستوعب أكثر من 17 ألف حاوية قياسية، خلال عام 2025، مقارنة بعام 2020 الذي شهد تسليم 17 سفينة من هذه الفئة.
في المقابل، سيشهد عام 2025 تسليم 83 سفينة من الفئة المتوسطة، التي تراوح سعتها بين 12 و17 ألف حاوية قياسية، وهو رقم يفوق بنحو خمسة أضعاف عدد السفن المماثلة التي تم تسليمها قبل خمس سنوات.
ويرى جوناثان روتش، محلل سوق الحاويات في شركة «برايمار»، أن السفن متوسطة الحجم، بسعة 16 ألف حاوية نمطية، ستهيمن على سوق النقل البحري في المستقبل القريب. ويعزو روتش هذا التحول إلى عاملين رئيسيين: الركود الذي تشهده حركة التجارة العالمية، والتخمة الحالية في سوق السفن العملاقة، ما قلل جاذبية هذه الفئة من السفن.
وحسب مصادر في القطاع، فإن التهديدات المرتبطة بالتشريعات البيئية واضطرابات التجارة، بما في ذلك هجمات العام الماضي على سفن في البحر الأحمر، قد أثرت سلباً على الطلب على الناقلات الأكبر حجماً.
وبعودة دونالد ترامب إلى الرئاسة هذا الشهر، يتوقع أن تستمر هذه الاضطرابات، خاصة بعد تهديده بفرض المزيد من التعريفات الجمركية على الواردات من الصين.
وكشف بيتر ساند، كبير المحللين في مؤسسة زينيتا المختصة في تتبع أسواق الشحن البحري، وجود توجه واضح لدى الشركات العالمية للتخلي عن الاعتماد الكلي على الصين في توريد منتجاتها، مشيراً إلى أن سلاسل التوريد بدأت بالفعل في التحول نحو مراكز تصنيع أصغر حجماً في دول آسيوية أخرى.
وأضاف ساند: «لا يمكن تحقيق جدوى اقتصادية من السفن (ذات الحجم الأكبر) إلا إذا توفرت البضائع الكافية لملئها. وفي حال عدم توفر هذه البضائع، فإنك ستتكبد خسائر».
ويتفق مسؤول تنفيذي رفيع المستوى في واحدة من أكبر شركات شحن الحاويات في آسيا مع هذا التحليل. ويوضح أن تحول مراكز التصنيع نحو دول مثل الهند وفيتنام يجعل من الصعب ملء السفن العملاقة من خلال التوقف في ميناءين أو ثلاثة فقط.
ويمثل هذا التوجه نقطة تحول في صناعة النقل البحري التي شهدت على مدى عقود سباقاً محموماً بين مالكي السفن نحو بناء سفن أكبر فأكبر لمواكبة ازدهار التجارة العالمية.
وقد تجلت أخطار هذا التوجه بشكل دراماتيكي عندما جنحت السفينة العملاقة إيفر جيفن – التي تزن 220 ألف طن وتستوعب 20 ألف حاوية نمطية، في قناة السويس عام 2021، متسببة في إغلاق القناة لمدة 6 أيام.
وشهد قطاع النقل البحري تحولاً لافتاً في 2024، إذ عاد الطلب على السفن العملاقة للارتفاع مجدداً. فبعد فترة تراجع لصالح السفن الأصغر حجماً، أصبحت السفن القادرة على حمل أكثر من 18 ألف حاوية محط اهتمام شركات الشحن مجدداً، مدفوعة بالأرباح الكبيرة التي حققها القطاع.
وكشف تقرير لشركة «برايمار» وجود 76 سفينة قيد الإنشاء مع بداية ديسمبر، بزيادة كبيرة عن العام الماضي الذي سجل 45 سفينة فقط. وأشارت تقارير صادرة عن الصحافة المختصة في الشحن إلى أن شركة البحر المتوسط للشحن البحري، الرائدة عالمياً، طلبت في سبتمبر الماضي 10 سفن ضخمة تصل سعة كل منها إلى 21 ألف حاوية.
كما شهدت أرباح مالكي السفن ارتفاعاً حاداً، على خلفية الهجمات المتكررة على السفن في البحر الأحمر، ما دفع شركات الشحن إلى تغيير مسارات رحلاتها، وأدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن وانخفاض عدد السفن المتاحة.
وتهيمن السفن العملاقة على خطوط التجارة البحرية بين آسيا وأوروبا مروراً بقناة السويس، لكنها قد تواجه تحديات في المرور عبر ممرات استراتيجية أخرى مثل قناة بنما.
وأكد ويليام ماكلاكلان، الشريك في شركة إتش إف دبليو للمحاماة والمختص في استشارات بناء السفن، أن أزمة قناة السويس كشفت عن تحديات جديدة في قطاع الشحن البحري، وأضاف: «أثر إغلاق القناة بشدة على شحن الحاويات، لكننا لاحظنا أن السفن الأصغر حجماً أظهرت مرونة أكبر في التعامل مع هذه التحديات الاقتصادية».
ولفت ماكلاكلان إلى أن القطاع يواجه تحدياً آخر يتمثل في الغموض الذي يحيط بمستقبل الوقود البحري، لا سيما في ظل محدودية توفر البدائل المستدامة بيئياً.
وتسود حالة من عدم اليقين بين مالكي السفن حول المتطلبات التي قد تضعها المنظمة البحرية الدولية، الهيئة المنظمة للقطاع، لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
وقال ماكلاكلان: «أعتقد أن ملاك السفن الصغار يترددون في الاستثمار الضخم في السفن العملاقة. فالتكلفة المنخفضة نسبياً للسفن الأصغر حجماً تجعلها خياراً أكثر أماناً في ظل هذه الظروف غير المستقرة».