المعلم بين التهديد والاستبدال.. والقاضي بين الاحترام والامتثال
أ.د مهدي دبان
اضرب المعلمون والمعلمات في محافظة عدن عن التدريس ليس عبثاً ولا نكاية بأحد، ولا أنانية بحثاً عن مكاسب إضافية زائدة، بل كان إضرابهم تحت وطأة الحاجة التي أذلتهم وجعلت حياتهم جحيماً. عيش معجون بالذل والهوان، معلم لا يقدر أن يجد قيمة مواصلات توصله إلى مدرسته، ولا يرفع رأسه أمام أولاده وأهله الذين يتضورون جوعاً ويتألمون مرضاً ويكتوون بنار الجهل، وهو يقف عاجزاً مطأطئ الرأس أمام متطلبات أثقلت كاهله وحاصرته من كل جانب.
ورغم كل ذلك الألم، لم يسلم المعلم من التهديدات والوعيد، فتارة يلوح له باستخدام القوة لكسر إضرابه، وتارة أخرى يُهدد بالاستبدال وكأن التعليم مجرد وظيفة عابرة، لا رسالة عظيمة ولا مسؤولية مقدسة. وكأن صوته الذي يصرخ بالحق لا يستحق أن يُسمع، ولا أن يُنظر إليه بعين الإنصاف، في مجتمع يدرك جيداً أن لا نهضة تُبنى دون معلم، ولا جيل يتشكل بلا مدرسة.
والمفارقة المؤلمة أن كل ذلك لم يُر ولم يُسمع حين تعلق الأمر بإضراب المحاكم والسلطة القضائية؛ فالمعلم يُهدد ويُستبدل، بينما القاضي يُحاط بالاحترام والامتثال. وهنا يظهر التباين الصارخ الذي يؤكد أن السوط لا يجلد به إلا الضعيف، وأن القوة لا تُظهر سطوتها إلا على المحتاجين. ليبقى المعلم، رغم كل هذا، شامخاً بمعاناته، حاملاً رسالة صامتة: إن كرامة المعلم هي كرامة الأمة، وإن انكسرت هيبته ضاع المستقبل كله.








