من قناديل البحر الخالدة إلى الفيلة.. تكثيف البحث عن أسرار إطالة العمر

أبين ميديا /فايننشال تايمز/مايكل بيل

 

يسعى العلماء إلى فكّ الشيفرة الجينية للحيوانات ذات الأعمار الطويلة الاستثنائية، بحثاً عن دلائل قد تمهد الطريق لإطالة عمر الإنسان، مع الحفاظ على صحته وجودة حياته. وتغطي هذه الدراسات طيفاً واسعاً من الكائنات، من طيور الطنان الصغيرة إلى الحيتان العملاقة، مع التركيز على قدرات لافتة، مثل مقاومة السرطان وتنظيم استجابات جهاز المناعة.

 

ويتم تكثيف الجهود العلمية، في ظل التقدم المتسارع في تقنيات تحليل الحمض النووي، ودراسة مكونات الخلية، بهدف استخلاص دروس من الطبيعة، يمكن أن تسهم في إطالة سنوات العافية للبشر. ويتقاطع هذا الاهتمام مع انشغال متزايد لدى رواد الأعمال وشركات التكنولوجيا، وحتى بعض القادة العالميين بمجال أبحاث إطالة العمر.

 

ومؤخراً، ناقش الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، إمكانية تحقيق قفزات كبيرة في متوسط الأعمار البشرية. ونقل مترجم بوتين عنه قوله إن الزرع المستمر للأعضاء، قد يساعد الناس على استعادة الشباب، فيما أشار شي إلى توقعات بأن يصل عمر الإنسان في هذا القرن إلى 150 عاماً.

 

وتميل الأنواع الأكبر حجماً إلى العيش أطول من نظرائها الأصغر، لأسباب لم تُحدد بالكامل بعد. وقد يرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض معدلات الأيض، وقلة المفترسين، وانخفاض فرص التعرض لنقص الغذاء.

 

لكن هناك استثناءات لافتة للنظر، أي حيوانات تعيش أطول بكثير من المتوقع حسب حجمها، أو تتمتع بقدرات خاصة على مقاومة بعض الأمراض، وهذه الأصناف بالذات، هي ما يثير حماسة العلماء في هذا المجال.

 

ولنبدأ بقناديل البحر الخالدة، حيث تمتلك نوعية القناديل الصغيرة «توريتوبسيس دوهرني»، قدرة غير عادية على عكس عملية الشيخوخة، باستخدام آلية بيولوجية، يشبهها البعض بتحول الفراشة إلى يرقة مرة أخرى. ومثل غالبية قناديل البحر، تبدأ «توريتوبسيس دوهرني» كيرقة تلتصق بسطح مثل صخرة، وتنمو لتصبح شعاباً. ثم تتشكل منها قناديل البحر المألوفة الشكل المعروفة باسم الميدوزا، التي تسبح في البحار المفتوحة.

 

وتكمن القدرة الخاصة لدى «توريتوبسيس دوهرني»، في إعادة دورة حياتها عند مواجهة تهديد وجودي، مثل الجوع أو الإصابات. وتتيح لها عملية بيولوجية تُعرف باسم التحول الخلوي، أو تحويل نوع خلية إلى آخر، العودة إلى شكل الشعاب، والتي تنبت بعدها مجموعة جديدة من الميدوزا، لتواصل رحلتها في المحيط.

 

وهناك أيضاً الكائنات البحرية الثابتة، مثل الشعاب المرجانية والإسفنجيات، فهي تعد هي الأخرى من بين الأصناف الأطول عمراً، لكن الباحثين يركزون غالباً على الثدييات والفقاريات الأخرى، نظراً لتشابهها بدرجة أكبر مع البشر.

 

وبالنسبة لطيور الطنان، فقد تبدو هشة وقصيرة الحياة، لكنها على العكس تماماً، حيث تعد مثالاً على كيفية عيش بعض أنواع الطيور حياة أطول من الثدييات المماثلة أو الأكبر حجماً. ويُرجح أحد التفسيرات أن قلة المفترسين في السماء، مقارنة بالأرض، تمنحها مزايا بيولوجية، تتيح لها فرصة التطور. وتشتهر الطيور الطنانة بأسلوب حياتها المكثف، بما في ذلك الطيران الثابت في الجو. ويمكن لقلوبها أن تسجل أكثر من 1000 نبضة في الدقيقة. ولديها القدرة على استخلاص الطاقة من الغذاء بكفاءة أكبر بكثير من أفضل الرياضيين البشر.

 

ويوجه الباحثون قدراً كبيراً من الاهتمام بالجينات التي تساعد في منع الأورام، عن طريق قمع أنشطة الميتوكوندريا، وهي «محركات» الخلايا. وتُربط الميتوكوندريا التي لا تعمل بشكل صحيح، بتطور السرطان لدى البشر.

 

لذلك، تُعد مقاومة السرطان هي الدافع وراء اهتمام الباحثين بطول عمر الأفيال، التي تعد أكبر الحيوانات البرية. وقد لاحظ العالم البريطاني ريتشارد بيتو في سبعينيات القرن الماضي، أن بعض الحيوانات الكبيرة جداً، لديها معدلات أقل للإصابة بالسرطان، مقارنة بالحيوانات الأصغر، وهو ما يُعرف بـ«مفارقة بيتو»، إذ تمتلك الكائنات الأكبر عدداً أكبر من الخلايا، وبالتالي، يفترض نظرياً أن خطر الطفرات المسببة للسرطان أكبر.

 

وقد يكمن تفسير ذلك في جين يسمى «تي بي 53»، له نشاط مضاد للأورام، ويساعد على إصلاح الحمض النووي التالف، وتدمير الخلايا غير القابلة للإنقاذ. وتمتلك الفيلة 40 نسخة من هذا الجين لكل خلية، بينما يمتلك الإنسان نسختين فقط. ولدى الفيلة وبعض الثدييات الأخرى جينات وبروتينات إضافية لمكافحة السرطان، ويبحث العلماء والشركات، في ما إذا كان يمكن استثمار هذه الآليات لصالح الإنسان.

 

ومن الملاحظ أن أطول الفقاريات المعروفة عمراً تعيش في البحار، ويبرز فيها نوع من الأسماك ونوع من الثدييات.

 

وعلى سبيل المثال، تُقدر أعمار سمك قرش غرينلاند بين 272 و512 سنة، وفقاً لتأريخ الكربون لبروتينات عيون إحدى العينات الكبيرة، ما يعني أن بعض الأفراد الحيّة اليوم، ربما كانت تسبح في المياه الشمالية منذ عام 1588، حين كانت الأساطيل الإنجليزية والإسبانية تتقاتل جنوباً. ويُعزى طول عمر سمك قرش جرينلاند جزئياً إلى الأيض البطيء المرتبط بالبقاء في المحيط المتجمد الشمالي على مدار السنة، ما يقلل من تآكل الأعضاء الحيوية.

 

وأطول الثدييات المعروفة عمراً، هو الحوت المقوس الرأس، والذي يعتبر أيضاً من سكان القطب الشمالي، وقد تتجاوز أعمار بعض الحيتان منه 200 سنة. وتم تحديد أعمار بعض العينات الميتة من خلال دراسة رؤوس الرماح العالقة فيها، من محاولات صيد فاشلة منذ زمن بعيد.

 

يستفيد الحوت المقوس الرأس، مثل الفيلة، من آليات استثنائية لإصلاح الحمض النووي، وإبطاء انقسام الخلايا، ما يقلل من خطر الأورام. وتقوم خلاياه بإصلاح ما يُعرف بكسور الخيط المزدوج بشكل «دقيق وفعال على نحو فريد مقارنة بالثدييات الأخرى»، وفقاً للأبحاث.

 

مثال آخر، هي فئران الخلد العارية، فالعيش الدائم في أنفاق تحت الأرض، حيث تضطر للزحف فوق رفاقك، ليس أسلوب حياة يناسب الجميع، لكنه ساعد فئران الخلد العارية، على أن تصبح واحدة من أكثر الحيوانات التي خضعت للدراسة في مجال طول العمر.

 

ويمكن لهذه الجرذان أن تعيش لعقود، وهو أمر استثنائي بالنسبة للقوارض. وقد عاش بعضها لأكثر من 40 سنة. ويساعدها على ذلك وجودها تحت الأرض، وابتعادها عن المفترسين بشكل كبير، لكن هذه القوارض التي تكاد تكون عديمة الشعر، تحمل دروساً جينية حول مقاومة الأمراض، كما هي الحال مع ثدييات أخرى، مثل الخفافيش. وتقدم الجرذان العارية رؤى حول مقاومة مشكلات الشيخوخة، بما في ذلك التنكس العصبي، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والتهاب المفاصل والسرطان.

 

أظهرت تجارب منشورة سابقاً، أن الفئران التي تلقت نقلاً جينياً من الجرذان العارية، تمتعت بصحة أفضل، وزيادة متوسطة في العمر بنسبة 4.4 %، كما أصيبت بأمراض أقل، وعدد أقل من الالتهابات، وهي عملية مرتبطة بالعديد من أمراض الشيخوخة، وفقاً للأبحاث التي قادتها فيرا غوربونوفا أستاذة الأحياء في جامعة روتشستر. وقالت غوربونوفا: «تُظهر دراستنا مبدأ يُفيد بأن الآليات الفريدة التي تطورت في الثدييات طويلة العمر، يمكن نقلها لتحسين أعمار ثدييات أخرى، بما في ذلك البشر».

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى