الأستاذة خديجة الظهر رائدة تعليم البنات في ولاية دثينة
أجرى اللقاء/ منى الشيبة
أن تقرأ كتاباً في التاريخ فثم المتعة والفائدة، لكن أن تجلس بين يدي التاريخ تستقرأه، وتنهل من معينه، فذلك شعور آخر !
ومن جميل حظي ودواعي سعادتي أن التقيت المعلمة والمربية المخضرمة رائدة التعليم في مودية وأحد واضعي أساس تعليم الفتاة فيها، فأبحرت معها بحوار ماتع مثر في خضم ماضيها الجميل الذي هو جزء من ماضي وحاضر التعليم في مودية :
فإلى الحوار:
– هل لنا أن نُعرِف القارئ من هي المعلمة والمربية الأستاذة /خديجة
■ خديجة علي أحمد ناصر الظهر
مولودة في عدن عام ١٩٤٥م
أرملة الأستاذ القدير المرحوم : سعيد عثمان عشال ، وأم لولديه..
– حدثينا عن دراستك ..
■ قبل المدرسة التحقت بالكتّاب، وفيه تعلمت القرآن الكريم والقراءة والكتابة ، وبعد الكتّاب التحقت بمدرسة أهلية (المدراسي) في مدينة عدن، وعندما كنت في الصف السادس تطوعت للتعليم في الفترة المسائية في المدرسة، فكنت طالبة في الصباح، ومعلمة في المساء، حتى أكملت دراستي المتوسطة ( الإعدادية).
— وبعد إنهاء الدراسة المتوسطة هل واصلت تعليمك أم تفرغت للتعليم ؟
■بعد إنهاء دراستي المتوسطة ذهبت إلى بلد الأهل والأجداد مودية، لأبدأ مسيرتي العملية من هناك، وسكنت عند جدتي لأمي.
— وهل كان في مودية مدرسة وقتئذ؟
■ نعم .. كان هناك فصل دراسي، فتحه خالي محمد سعيد الظهر في منزله لتتعلم فيه بنات العائلة، ولمن رغب من سكان مودية في تعليم بناته، فقد كان آل الظهر محبين للعلم والتعلم وداعمين لتعليم الفتاة وهذا كان محفزاً لي .
— كنتِ معلمة للتلميذات في بيت الشيخ محمد سعيد ( رحمه الله ) ؟
■في البداية كانت هناك معلمة وهي مستشرقة من أستراليا اسمها الأستاذة (موس) مكثت فترة ثم عادت لبلدها، وتوليت بعدها مهمة التدريس، ثم تركنا منزل خالي محمد سعيد ــ حيث وضِعت هناك نواة مدرسة البنات ــ لننتقل إلى مدرسة البنات، مدرسة رسمية تحت إشراف الأستاذ المرحوم سعيد عثمان عشال مشرف التعليم في (دثينة) حين ذاك (مدير التربية) الذي كان داعماً ومشجعاً على تعليم الفتاة في مودية.
— هل تتذكرين في أي عام كان تأسيس المدرسة وكم كان عدد الملتحقات بها؟
■ كان هذا في عام ١٩٦٤م تقريباً وكان عدد التلميذات (عشر) تلميذات معظمهن من بنات آل الظهر.
والذي أصبحن رائدات التعليم في مودية بعدها.
— هل كان معكِ طاقم تدريس من بداية التأسيس
■ لا .. كنت في البداية أنا المعلمة والمديرة، وبعد ذلك التحقت بالتدريس في المدرسة كل من :
أ/ أميرة ناصر علي الظهر
أ/ فتحية محمد سعيد الظهر
أ / فايزة محمد سعيد الظهر
أ/ سميرة هيثم علي الظهر
— ماطبيعة المنهج الذي كان يدرس في المدرسة ؟
وهل كانت الكتب المدرسية متوفرة ؟
■ كان المنهج السائد حينها هو المنهج المصري، وكنّا ندرس كل كل المواد، وكانت الكتب المدرسية متوفرة، فقد كانت مدرسة نظامية ومنضبطة باللوائح والنظم المدرسية والتربوية.
— هل كان هناك إقبال من الأهالي على تعليم بناتهم في المدرسة؟
■نعم .. كان هناك إقبال وكان العدد في ازدياد.
— ألم تكن أمية الأهل عائقاً أمام تعليم بناتهم ؟
■ كان ماض جميلا ومستوى فهم عالياً، حيث كان النظام والانضباط، وكان لدى الأهالي وعي أفضل منهم الآن، وكان عندهم حب للتعلم.
— إلى متى بقيتِ مديرة لمدرسة البنات؟
■أربع سنوات تقريباً ثم عدت إلى أسرتي في عدن..
— من التي خلفتك في إدارة المدرسة ؟
■أ/ أميرة ناصر علي الظهر
— هل من صعوبات واجهت عملك كمديرة لمدرسة البنات؟
■ لا .. لم تواجهني أية صعوبات، كان هناك تعاون من الأهالي والمسؤولين عن التعليم، ولم يكن هناك تدخل في العملية التعليمية.
— هل من تلميذات المدرسة من واصلت دراستها وصولاً إلى الجامعة أو الثانوية ؟
■ بعضهن اكملت تعليمها الجامعي، وحصلت على منحة دراسة في الإتحاد السوفيتي مثل : م/ فردوس محمد ناصر الظهر ، وم/ فردوس محمد سعيد الظهر، وبعضهن إلى الثانوية، والبعض اكتفت بالإعدادية ـ وكانت الحاجة وقتها ملحة لإلتحاقهن بالسلك التعليمي في مودية..
— وماذا عملتِ بعد عودتك إلى عدن؟
■ عملت في مركز ( البس) لمحو الأمية وتعليم الكبار،
وكنت إلى جانب عملي كمعلمة في المركز، أتعلم مهارات وأشغال يدوية، علمتها فيما بعد لتلميذاتي.
— وهل بقيتِ في مركز محو الأمية حتى عودتك مرة أخرى إلى مودية؟
■ لا .. من المركز كانت رحلتي إلى الإتحاد السوفيتي، حيث رشحني المركز لمنحة تعليمية إلى هناك، فيها تعلمت مهارات التعليم وتوظيف المهارات والمواهب الفنية في التعليم وتعليمها للأطفال، واكتسبت مهارات جديدة، ثم عدت بعد عام إلى عدن لأتنقل بين مدارسها، فدرّست في كريتر وفي الشيخ عثمان..
ثم كانت العودة إلى مودية في الثمانينات..
— المتتبع لمسيرتك يجد أنك كنتِ معلمة ومتعلمة في آن في كل مراحل دراستك وعملك !
■ ” أطلب العلم من المهد إلى اللحد ” لازم نظل نتعلم . القرآن يحثنا على ذلك ” إقرأ ” أول آية نزلت من القرآن وأول شيء يجب أن نتعلمه هو القرآن الكريم، والمداومة على تلاوته وتدبره وهو السعادة والنعيم ..
— عدتِ في الثمانينات ولم تعد مدرسة البنات موجودة .. فمن أين ابتدأتِ محطتك الجديدة في مودية ؟
■ بعد مغادرتي مودية إلى عدن، وبعد استقلال الجنوب تم دمج البنات والأولاد في مدارس مختلطة، وأصبحت مدرسة البنات مدرسة مختلطة، هي مدرسة الشهيد العروس الموحدة، وعملت فيها معلمة للصفوف الأولى بعد عودتي إلى مودية ..
— يعيد. التاريخ نفسه لتكون الأستاذة خديجة أول مديرة لأول مدرسة بنات بعد فصل البنات عن البنين(مدرسة أم سلمة للبنات) .
ولكن هذه المرة كان عاما دراسيا واحداً فقط، فما سبب تركك إدارة المدرسة ؟
■ نعم.. عام واحد ثم انتقلت إلى روضة الأطفال، كان الوضع مختلفاً، ولم أحب العمل الإداري وقتها، وفضلت الذهاب للروضة لأني أحب الأطفال والتعامل معهم..
— إذا ما قارنا بين المحطتين والزمنين هل ثمة فرق، تعليمياً وتربوياً وإدارياً بين المرحلتين؟
وإلى إيهما تشعرين بميل عاطفتك ؟
■ الماضي جنة ونعيم ، والحاضر نار وجحيم، كان التعليم مبنياً على أسس متينة، حيث كانت التربية والتعليم في البيت والمدرسة، وكانت رغبة حقيقة في طلب العلم لدى الأهل والأبناء، وأما الآن فأساس التعليم أصبح هشاً، جيل الحاضر هو جيل الشاشة والجوال، أما العاطفة والشوق والحنين فللماضي الجميل، بكل ما كان فيه :
شوقنا بالشوق لش يا أرضنا
شوقنا للعز دي كان عندنا
شوقنا للأهل والأحباب
كلهم دي راحوا مننا
— جميل .. هل تكتب الأستاذة خديجة الشعر..؟
■ بعض الخواطر
— كانت الأستاذة خديجة تغطي الحصص الشاغرة بتعليم التلميذات مهارات وأشغال يدوية..
هل كان ذلك بهدف شغل الوقت فقط؟ أم لأنها ترى في ذلك أسلوبا تربويا ووسيلة تعليمية، أم غير ذلك ؟
■ أنا أحب الأشغال اليدوية وتعلمت في مركز (البس) مهارات، وفي روسيا، وكنت أعلم البنات حتى يستفيدوا من وقتهم ويتعلموا حرفاً يمكن أن تنفعهم في حياتهم ..
— كيف تنظرين إلى مخرجات التعليم في مودية خلال مراحل مسيرتك التعليمية والتربوية ؟
■مخرجات التعليم قديما أفضل من الآن، كانت المدارس تخرج جيلاً واعياً ومثقفاً ومؤثراً في المجتمع على عكس حالة اليوم ..
— بعد مسيرتها الزاخرة والحافلة بالعطاء كيف تنظر الأستاذة خديجة إلى حال التعليم اليوم في الوطن عموماً وفي مودية خاصة؟
■ كل الأوضاع اختبطت في البلاد، والتعليم خاصة.. لم يعد هناك إهتمام بالتعليم ولا بالقراءة، ولم يعد للمعلم تقدير ولا للعلم، فالحال سيء جداً ..
— مالرسالة التي توجهينها لكل تلميذة وطالبة علم ولكل معلمة؟
■ أقول لبناتي المتعلمات: اهتموا بالتعليم فالعلم نور والجهل ظلام .
وللمعلمات: حببوا البنات في التعليم، وعلموهن مهارات تنفعهن في حياتهن، وأتمنى أن تعود حصة المهنية والفنية التي تعلم الأطفال مهارات مختلفة، وتبرز مواهبهم وتحقق لهم المتعة والترفيه، وألا تكون الدراسة كلها حشو معلومات..
— كأم ومعلمة ومربية بما تنصحين الأمهات والأباء فيما يخص تعليم أبناءهم وتربيتهم؟
■ الأمهات في هذه الأيام غير الأمهات زمان، ماعندهم صبر للتربية، والزمن غير الزمن، ترين الطفل معظم الوقت أما أمام الشاشة أو في يده الجوال، ونصيحتي للأمهات والأباء أن يجلسوا مع أولادهم ويعلموهم القرآن ولايتركوهم للشارع وأن يغرسوا فيهم حب التعلم وبذل الجهد وألا ينشغلوا بالتفاهات ويركنوا إلى الكسل، فإن الله إذا غضب على قوم سلط عليهم الفتنة وقلة العمل، لازم نشغل وقتنا بما ينفع..
— رسالة للقائمين على التعليم في مودية من معلمة ومربية مخضرمة ؟
■ أقول لهم اهتموا بالتعليم، ووفروا الوسائل التعليمية، واعتنوا بتطوير المهارات، وأعطوا المعلم حقه من الإهتمام والتأهيل، ونشطوا فصول محو الأمية، فالأمم لاترتقي إلا بالعلم ..
ــ شكراً أستاذة خديجة على إتاحة لنا هذا اللقاء النادر معك بعد كل هذه العقود، متمنين لك دوام الصحة والعافية والسعادة.
■ وفقكم الله تعالى.
أخيرا نوجه الدعوة للسلطة المحلية في المديرية ومحافظة أبين ومكتب التربية أبين إلى تكريم الأستاذة خديجة الظهر تكريماً يليق بها في أسرع وقت ممكن.








