زامل يعيد للشاعر باعزب مكانه ومكانته

 

د.علي صالح الخلاقي

كان الشاعر بن جعفر باعزب من أبرز شعراء وقته، ومن خاصّة السلطان ناصر بن عيدروس العولقي، سلطان العوالق السفلى. وعُرف الشاعر بملازمته لمجلس السلطان، وبفصاحته التي جعلته لسان مشورته ومستشاره الأول، حتى صار جزءاً من هيبة المجلس السلطاني.
وذات يومٍ، زار السلطان جمعٌ من كبار عقلاء ومشايخ قبائل باكازم، فأكرمهم السلطان غاية الإكرام وأجلسهم إلى جواره في صدر المجلس. وفي خضم الترحيب بالضيوف، دخل الشاعر بن جعفر باعزب، فلم يهتم به السلطان كما جرت العادة، إذ كان مشغولاً بضيوفه.
وقف الشاعر للحظة، وشعر أن مكانته التقليدية إلى جانب السلطان قد انتُزعت لصالح الضيوف القادمين، فعبّر عن مشاعره في الحال مرتجلاً الزامل التالي الذي يخاطب فيه السلطان:

يا بن منصر يا فراس الدّيوله
هرجي وهرجك كان من تحت اللباس

كانت محبّه لي ومجلس داخلي
واليوم قدني في محلي شُوف ناس

وهكذا، بهذين البيتين، لم يرفع الشاعر صوته بالشكوى المباشرة، بل صاغ عتبه في أسلوب بليغ من خلال الزامل الذي جمع بين الذكاء والرمز، فعبارة “يا بن منصر يا فراس الديوله” هي نداء مفعم بالتقدير، فـ”فراس الديوله” تعني قائد الديولة ، أي أنه يخاطبه بمهابته المعهودة. لكنه ينتقل فوراً إلى المعنى العميق:

هرجي وهرجك كان من تحت اللباس
أي أن بينهما مودة خاصة، وحواراً صريحاً لا يحتاج إلى وسطاء، رمز إليه بعبارة “تحت اللباس” أي في السرّ والمجلس الخاص.

ثم يأتي البيت الثاني ليُبرز المفارقة الشعورية:

كانت محبّه لي ومجلس داخلي
واليوم قدني في محلي شوف ناس

هنا يعاتب السلطان برقةٍ على أنه قد أجلس”ناس” في مكانه المعهود ، أي الضيوف الذين أخذوا موضعه في القرب والمكانة.
وقد أدرك الحاضرون من مشايخ باكازم مغزى البيتين، فبادروا من فورهم إلى إفساح المكان للشاعر إلى جانب السلطان، فعاد بن جعفر إلى موقعه الطبيعي، مُكرَّماً بالكلمة قبل المقعد.
وهكذا أعاد الزامل للشاعر هيبته ومكانته دون أن يطلبها صراحة، ودون أن يُغضب السلطان أو يجرح الضيوف.

 

* من كتاب قيد التجهيز للدكتور علي الخلاقي عن الزوامل لسان الشعب .

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى