من الظالم أو المظلوم
كتب : حسين أحمد الكلدي
أعتقد أن كلًّا منا قد مرت عليه كثير من الأحداث والقصص؛ فالحياة تُعَدّ مسرحًا كبيرًا تجري عليه الأحداث اليومية بأشكال مختلفة ومتشابهة، وكل ما يشاهده الجميع من العروض على هذا المسرح الكبير يراه كل إنسان بالطريقة التي يفهمها وتلائمه هو، بحسب برمجة عقله لتلك القصة أو ذلك المشهد أو الحدث، وفق ما يريده ويتم تفسيره للآخرين. فالناس ليسوا دائمًا على خطأ، وليسوا دائمًا على صواب، إنما يرى كلٌّ منهم الأمورَ من زاويته الخاصة، وفق مصلحته، وفهمه، وأهمية الصورة بالنسبة له. عندما ترى الأصدقاء أثناء تعاملهم مع بعضهم بصدق وإخلاص ودون مصالح، تستمر تلك الصداقة إلى آخر العمر. أما عندما تظهر المصالح على أي صداقة، فهي تُعَدّ مؤقتة، وفي الغالب جسور عبور من خلال ذلك الشخص للوصول إلى شخص آخر تربطه علاقة ممتازة بالطرف المقابل. فَتكتيك استخدام الصديق كجسر عبور للطرف الآخر يُسمى فخّ الصداقة المزيّفة. ويُعَدّ ذلك شائعًا في دائرة الأعمال التجارية بأشكال متعددة، حينما يتفق طرفان على الشراكة نتيجة الصداقة من أجل التعاون والتكامل للنجاح بينهما، فقد تجد أن العاطفة هي سيدة الموقف، فلا يتم توثيق العقود بشكل قانوني صارم يمكن الرجوع إليه عند الحاجة أو الخلاف. ومع مرور الوقت يظهر الخلاف، ويبدأ كل طرف بإثبات وجوده عبر الإدارة المتسلطة أو إبعاد الطرف الآخر وتهميشه، أو عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه شفهيًّا، فيدبّ الخلاف، وتبدأ مظاهر التحايل والخداع والخيانة واستغلال الثغرات التي لم تُوثَّق قانونيًا، ويستغل أحد الشريكين جهل الآخر بالإدارة أو المحاسبة أو استغلال الثقة أو الطمع في الاستحواذ على العمل. ومن هنا يظهر السلوك القهري، ويبدأ أحد الأطراف بالسيطرة والهيمنة والتحكم، ثم ينسج كل طرف قصصًا من الخيال ليُصوِّر نفسه ضحية، ويتهم الطرف الآخر بظلمه وممارسة الغش. وهكذا يشتكي كل طرف للناس الذين يعرفهم أو لا يعرفهم، فيعدد العيوب والطرق الملتوية التي يتميز بها شريكه في ظلمه، مؤكدًا أنه مظلوم ولم يستطع الاستمرار معه. وهذا الحال ذاته يحدث بين الازواج والعلاقات الأسرية التي تغيب عنها الشفافية في التعامل بين الأزواج والتعامل غير الإنساني الذي يتميز به أحد الطرفين بالسيطرة المطلقة لإثبات وجوده أو التمرد او الاستحواذ على زمام الامور عند ، غياب المودة والرحمة والانانية في توليف القلوب بالحب والتسامح. وقد يحدث ذلك بين الآباء وزوجات أبنائهم، فينشأ الصراع بقوة إذا أراد أحدهم إخضاع الطرف الآخر وغياب المسئولية وكذلك بين الإخوة في الأسرة الواحدة. فعندما تغيب الصراحة والشفافية والصدق والوعي الحقيقي للتواصل، يُعبَث الجهل بمفاهيم تلك العلاقات الإنسانية، ويستخدم كل طرف الطرق غير النظيفة ليُظهِر نفسه الضحية. وعندما
تستمع لكلٍّ منهم على حدة، ستجد الجميع مظلومين، فلا تدري أيهم الظالم أو المظلوم حقًّا، ويختلط عليك الأمر . حتى في العلاقات بين الآباء والأبناء، ترى الابن يعتقد أن والديه ظلموه، فلا يعطونه من الحب والرعاية ما يكفي، ويفرقون بينه وبين إخوته، فيبني شكوكه على تصوره الخاص، وكذلك الوالدان أحيانًا، وكلها شكوك فقط لتبرير شعوره الذي يُظهِره أنه الضحية، لأن أحدهم لم يُصَرّح للآخر بأسلوب راقٍ يحمل في طيّاته الحب والتسامح والتفاهم، وقبول كلٍّ منهما للآخر بناءً على العلاقة الأسرية أو الأخوية. وكما هو الحال في العلاقات التجارية أو الأخوية التي تغلب عليها المصالح، يتخلى بعضهم عن المبادئ والصدق والأمانة، ويتجه نحو حب الذات وظلم الآخر. ومن هنا نوجّه رسالتنا إلى أولئك الذين يستخدمون أصدقاءهم جسورًا للعبور إلى الضفة الأخرى للحصول على مصالحهم وتحقيق أهدافهم بطريقة غير شريفة، ثم يتركونهم دون كلمة شكر أو حفظٍ للود والجميل بينهم، متناسين الوجه الحقيقي للإنسانية النقية، وتجدهم متمسكين بدور الضحية الزائف. وعلى هذا الأساس، في كل المواقف، راقب نفسك أمام الله، وتذكّر أن الله سبحانه وتعالى يراقب الناس جميعًا بعينه التي لا تنام، مهما زُيِّفت الحقائق لصالحك، ومهما ظلمت زميلك أو أخاك أو أمك أو أباك أو زوجتك أو أبناءك أو شريكك في التجارة أو العمل. يجب أن تتحلّى بالأمانة والصدق والوفاء، فلن ينقص منك شيء إذا مارست هذه القيم وتحليت بها. دائما تذكّر الودّ الذي كان بينكم، فلا تهجر، ولا تَظلِم، ولا تغتصب حقوق الآخرين باسم الصداقة أو الأخوة أو الشراكة المبطَّنة بالغش والخداع والمراوغة قال تعالى ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَاۖ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46 وقال تعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97] وقال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: 7] وعلى هذا الأساس، ختمت مقالي هذا بهذه الآيات الكريمة من القرآن الكريم، فهي خير دليل على أن ثواب الأعمال الصالحة عائد إلى صاحبها، وأن كل ما تقوم به سيعود إليك في نهاية المطاف.
12 نوفمبر 2025








