رغم مكاسبهم السياسية.. صفقة إنهاء الإغلاق الحكومي لا ترضي الديمقراطيين

أبين ميديا /القاهرة الإخبارية – سامح جريس
أسدل مجلس النواب الأمريكي، فجر اليوم الخميس، الستار على أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة استمر 43 يومًا، بعدما صوَّت لصالح إعادة فتح الحكومة الفيدرالية بأغلبية 222 صوتًا مقابل 209 أصوات.
ووفقًا لصحيفة “ذا هيل” الأمريكية، جاء التصويت شبه منقسم على أساس حزبي، إذ عارضه جمهوريان فقط لأسباب تتعلق بالإنفاق الحكومي المتزايد، بينما انشق ستة ديمقراطيين لدعم مشروع القانون مؤكدين أهمية استئناف التمويل الفيدرالي.
بنود الصفقة
يوفر مشروع القانون المتجه لمكتب ترامب تمويلًا لأجزاء كبيرة من الحكومة، تشمل وزارة الزراعة، وشؤون المحاربين القدامى، والبناء العسكري، والسلطة التشريعية، حتى نهاية السنة المالية 2026 في 30 سبتمبر.
أما باقي الوكالات والمؤسسات الحكومية فستحصل على تمويل قصير الأجل حتى 30 يناير فقط، وفق “ذا هيل”.
تضمنت الصفقة تنازلًا من جانب الجمهوريين لصالح الديمقراطيين عبر إلغاء عمليات الفصل التي نفذتها إدارة ترامب خلال الإغلاق، ما سيعيد آلاف الموظفين المفصولين إلى وظائفهم، مع حظر أي عمليات فصل جديدة قبل فبراير المقبل، إلا أن هذا البند لم يعوِّض غياب إعانات الرعاية الصحية، حتى إن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفريز نفسه اضطر للاعتراف بـ”خيبة أمله” من الصفقة التي أبرمها ديمقراطيو مجلس الشيوخ.
مع اقتراب الموعد النهائي الجديد في 30 يناير، أعلن عدد من الديمقراطيين بالفعل عزمهم المطالبة بتمديد إعانات الرعاية الصحية إذا لم تُحل المسألة قبل ذلك التاريخ، محذرين من أن إغلاقًا حكوميًا جديدًا ليس مستبعدًا على الإطلاق.
أطول أزمة في تاريخ أمريكا
تسبب الإغلاق الحكومي، الذي دخل أسبوعه السابع، في موجة من الفوضى الاقتصادية عبر البلاد، إذ حُرم آلاف الموظفين الفيدراليين من رواتبهم لأسابيع متتالية، وتوقفت المساعدات الغذائية عن ملايين الأسر، فيما شهدت المطارات الأمريكية تأجيلًا وإلغاءً لمئات الرحلات الجوية.
واستغل ترامب الأزمة للضغط من أجل تنفيذ أجندته في تقليص حجم الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك إجراء عمليات فصل جماعي للموظفين الحكوميين، ورفض استخدام صندوق الطوارئ لتمويل برامج المساعدات الغذائية عندما نفدت أموالها، وفق “ذا هيل”.
دافع الجمهوريون في الكونجرس عن هذه الإجراءات باعتبارها قرارات مضطرة فرضها شُحّ الموارد خلال الإغلاق، محمّلين الديمقراطيين مسؤولية معاناة المواطنين.
وقال رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون في تصريحات بعد التصويت: “أريد الاعتذار للعائلات الأمريكية التي عانت من الجوع خلال الأسابيع الماضية، ولجنودنا والموظفين الفيدراليين الذين لم يعرفوا متى سيحصلون على رواتبهم.. كل هذا بسبب الديمقراطيين”.
رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون
معركة الرعاية الصحية
كان جذر الأزمة خلافًا حادًا حول مستقبل قانون الرعاية الصحية “أوباما كير” والإعفاءات الضريبية المقرر انتهاء صلاحيتها نهاية العام الجاري.
تمسّك الديمقراطيون بموقفهم الرافض لإنهاء الإغلاق دون ضمان تمديد هذه الإعانات التي يستفيد منها ملايين الأسر الأمريكية، بينما أصرّ الجمهوريون على ضرورة إعادة فتح الحكومة أولًا قبل أي مفاوضات حول الرعاية الصحية، في حين ظل هذا الجمود السياسي قائمًا لأكثر من ستة أسابيع، محطمًا بذلك الرقم القياسي السابق لأطول إغلاق حكومي الذي حدث خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى في 2018-2019.
جاء الحل عبر صفقة مفاجئة توصلت إليها مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، لكن هذه التسوية جاءت خالية تمامًا من أي بند يتعلق بإعانات الرعاية الصحية، ما أشعل موجة غضب عارمة داخل الحزب الديمقراطي.
وردّ الديمقراطيون على اتهامات الجمهوريين متهمين إدارة ترامب بتعمّد تعظيم معاناة الأمريكيين، وخاصة الطبقات الفقيرة والعاملة، كورقة ضغط سياسية.
وقالت النائبة عن ولاية كونيتيكت روزا ديلاورو: “تخيلوا أن رئيس الولايات المتحدة يلجأ للمحكمة العليا لحرمان الأطفال من الطعام، وفوق ذلك حرمان والديهم من الرعاية الصحية.. إنه أمر صادم”.
حرب داخلية علنية
أشعلت الصفقة حربًا داخلية علنية بين صفوف الديمقراطيين لم تشهدها الساحة السياسية الأمريكية منذ سنوات، إذ ذكرت صحيفة “بوليتيكو” أن النائبة سوزي لي من نيفادا حثّت زملاءها خلال اجتماع مغلق على التوقف عن مهاجمة بعضهم البعض، مطالبة إياهم بتوجيه انتقاداتهم للجمهوريين، لكن كلماتها لم تجد آذانًا صاغية.
في الوقت نفسه، كانت مقاطع فيديو للنائبة عن نيويورك ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وهي تنتقد بشدة أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الثمانية الذين دعموا إنهاء الإغلاق تحقق مئات الآلاف من المشاهدات عبر الإنترنت.
تصاعدت الدعوات لإقالة زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذي يواجه انتقادات لاذعة من قاعدة الحزب منذ دعمه لمشروع قانون إنفاق جمهوري مماثل في مارس الماضي.
خطورة الانقسام الداخلي
حذّر استراتيجيون ديمقراطيون من أن هذه الحرب الداخلية تصرف الأنظار عن مهمة الحزب الأساسية في مواجهة الجمهوريين قبل انتخابات التجديد النصفي الحاسمة العام المقبل.
قال مات بينيت، رئيس مؤسسة “ثيرد واي” الفكرية الوسطية: “لم نكن نحب الصفقة أيضًا، لكن هذا لا يعني أن على الديمقراطيين إطلاق النار على بعضهم البعض.. يجب أن نركز على المسؤول الحقيقي: ترامب والجمهوريون الذين سلبوا الرعاية الصحية من الملايين”.







