المشكلة في الليم لو ما حد كله.. أما العنب مضمون بايرجع زبيب

كتب: م. عبدالقادر خضر السميطي

في أحد الأيام المشمسة في دلتا أبين، حيث تمتد المزارع كوشاحٍ أخضر على الأرض، وتختلط رائحة الطين بعرق المزارعين، هناك قصص كثيرة عن أناسٍ يعملون بصمت، لا ينتظرون جزاءً ولا شكورًا.

اجتمع المزارعون في أحد الحقول تحت ظلّ شجرة السدر الجميلة، ومعهم أنين النحل الذي يتراقص على أزهار السدر، ينتقل من زهرةٍ إلى أخرى ليمتص رحيق هذه الشجرة المعجزة التي تُنتَج من رحيقها أغلى وأجود أنواع العسل.

كانوا يتحدثون عن الزراعة والمواسم ومشكلات الري، وعن انتشار أشجار السيسبان، وكذلك الانتشار الفظيع للآفات الزراعية التي عبثت بالمحاصيل خلال السنوات الماضية. تناولوا أيضًا موضوع المبيدات والأسمدة الكيماوية وارتفاع أسعارها، وتبادلوا الآراء حول ضرورة إنتاج الكمبوست ليكون بديلًا عن الكيماويات.

وبعد نقاشٍ طويل، قال أحد كبار المزارعين بصوتٍ فيه حكمة وعتاب:
> “يا جماعة، المشكلة في الليم لو ما حد كله، أما العنب بايرجع زبيب.”
ساد الصمت، ثم تابع المزارع كلامه وهو يحرّك عصا الفأس على تراب الأرض:
> “الكلام هذا يا جماعة الخير ما قلته عبث، قلته بعد ما شفت قصتين فيها عبرة لكل واحد فينا.”

ثم بدأ يحكي قائلاً:

القصة الأولى عن المهندس الزراعي س، وهو رجل معروف في دلتا أبين، لا يعرف الكسل ولا الملل، أول من يدخل الحقل الزراعي وآخر من يخرج منه، دائمًا مع المزارع، يقدّم النصيحة والمساعدة، لا ينتظر شكرًا ولا مقابلًا.

لكن حين جاءت فرص التكريم والدعم، وفرصة دورةٍ عملية خارج الوطن، تعثرت معاملته بحججٍ – للأسف – غير منطقية، وكأن الأرض التي شهدت له أنكرته. ومع ذلك، لم يزعل، ولم يشتكِ، بل قال بابتسامةٍ هادئة:

> “المشكلة في الليم لو ما حد كله، أما العنب مضمون بايرجع زبيب.”

أي أن الخير لا يضيع، وإن تجاهلوك اليوم، فغدًا الزمن سينصفك.

توقف المزارع لحظة، ثم أكمل قائلاً:

وهناك قصةٌ أخرى تُروى عن المزارع ص من دلتا أبين، من أبناء إحدى القرى، كان أول من يخرج إلى المزرعة وآخر من يغادرها، يروي الأرض بعرقه، ويساعد جيرانه دون مقابل. ينتج من الحبوب مساحاتٍ قد تتجاوز المئة فدان، ويساهم في الحفاظ على البذور المحلية دون أن يطلب أي مساعدة من أحد.

وحين جاءت لجنة دعم المزارعين المتميزين، لم يُذكر اسمه، فسأله أحدهم:

> “ليش ما غضبت يا عم؟”

فقال مبتسمًا:

> “يا ولدي، من يزرع للناس ما ينتظر من الناس، الأجر من رب الناس.
والزرع الذي نسقيه اليوم، بيشهد لنا غدًا.”

ابتسم المزارع وهو ينهي كلامه قائلاً:

> “هكذا هم أهل الإخلاص، ما يعرفوا الحقد، لأنهم مؤمنون أن العطاء لله لا يضيع،
والنية الطيبة تثمر حتى لو تأخر المطر.”

خذوا نفسًا عميقًا وتأملوا…

في دلتا أبين تعلمنا أن الأرض لا تخون من يزرعها،
وأن الماء لا ينسى مجراه،
وأن العمل الصادق هو ميراث المخلصين.

قد يُتجاهلك الناس حينًا، لكن الأثر لا يُنسى،
فكل جهدٍ يُبذل يترك بصمته في الحقول والقلوب معًا.

حكاية المزارع ص والمهندس س ليست قصصًا عابرة،
بل دروسٌ في الوفاء والإخلاص تقول لنا جميعًا:
اعمل بصمت، فالله يرى ما لا يراه الناس،
والوقت وحده كفيلٌ بتمييز الذهب الخالص من الفالصو.

وأخيرًا، نقول للجميع:

> هكذا هي الحياة… لا تُقاس بالأسماء ولا بالمظاهر،
بل بالأثر الطيب الذي يتركه الإنسان خلفه.
ومن المؤلم أن ترى من يرفع شعارات المحبة والتقدير،
لكنه في لحظة الحق ينسى من وقف معه، أو يتجاهل من تعب لأجله.

ومع ذلك، يبقى المخلصون على عهدهم،
يعملون لله لا للناس،
لأن من تعوّد العطاء لا يستطيع أن يعيش على حساب الغدر أو الجحود.
فالقلوب الصادقة مثل الأرض الطيبة، قد تُهمَل أحيانًا، لكنها تظل قادرة على الإثمار في كل موسم.

رسالتي للجميع:

ازرع الخير مهما تغيّر الناس، ولا تنتظر المقابل،
فالثمرة تعرف صاحبها، والأرض تحفظ من روّاها بعرقه.
وإن نسيه البشر، فإن الله لا ينسى عبده المخلص.

عبدالقادر السميطي
دلتا أبين

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى