شخصيات_من_دثينة رجل المدفعية الأول في تاريخ اليمن (ناذخ)

من دثينة، من الأرض التي أنجبت الكثير من العظماء، يبرز اسم لا يمكن أن يمر في تاريخ دثينة واليمن عامة مروراً عابراً.
إن الحديث عن اللواء الركن عمر محمد ناصر ناذخ السعيدي رحمه الله هو حديث عن رجل سبق زمانه، وعن قائد لا يتكرر، وعن عقلية عسكرية كتبت اسمها بحروف القوة والدهاء على صفحات التاريخ.
لم يُلقب بالعبقري، ولا بالرجل الأول في المدفعية ولا بـ الأب الروحي لهذا السلاح من فراغ. فقد كان الرجل الذي إذا حضر تغير ميزان الميادين، وإذا غاب شعر الجنود بأن ركنا من أركان القوة قد فُقد.
بدأت رحلة عطائه وترقيه في سبعينات القرن الماضي،حين تقلّد قيادة سلاح المدفعية في جمهورية اليمن الديمقراطية واستمر في هذا الموقع حتى عام 1986.. بعد ذلك تولى قيادة لواء الوحدة مدفعية حتى عام 1994، ثم عُيّن قائداً لـ اللواء 55 حرس جمهوري حتى عام 1996،
وفي عام 1996 انتقل ليقود معسكر طارق بن زياد “مدرسة الحرس”، وظل على رأس هذا الصرح التدريبي حتى عام 2002، العام الذي دخل فيه مرحلة التقاعد الرسمي بعد مسيرة حافلة بالعطاء..
غير أن عطائه لم يتوقف عند التقاعد؛ فقد تم تعيينه مستشاراً لسلاح المدفعية حتى عام 2013، مستمراً في نقل خبرته وتدريب الأجيال وصيانة هذا السلاح الذي عرفه الناس به طوال حياته،،
كان يمتلك فطنة ذكاء نادرة، وقراءة للمواقف قبل أن توجد وعبقرية في التخطيط جُعلت المدفعية بوجوده أداة دقيقة، تضرب حيث يجب، وفي اللحظة التي يُريدها هو، وكان اللواء الركن ناذخ رحمه الله يمتلك حركة خاصة لا يجيدها غيره عند تقدير مسافة المدفعية، يكفيه أن يرفع إبهامه نحو الهدف، يحدق للحظات قصيرة،ثم يحدد المدى بدقة مذهلة تقارب أجهزة القياس بل في بعض الأحيان تفوق أجهزة القياسات.
كانت تلك الإشارة علامة عبقريته، وواحدة من أسرار نجاحه في إدارة المعارك، حتى إن من كانوا حوله يقولون: إذا رفع ناذخ إبهامه فاعلم أن الضربة ستصيب مكانها تماماً،،
خاض العديد من الحروب، معارك يعرفها قادته وجنوده، كان فيها العقل المدبر والرجل الذي يستطيع تحويل المستخيل إلى واقع. لم يكن مجرد قائد ميداني، بل مهندس تكتيكات ومبتكر حلول، يشاهد المعركة بعين لا تهدأ، ومع هذا كله، كان يحمل صفة لا تجتمع كثيراً مع القادة العظام حس الفكاهة وروح الدعابة.
كان إذا حضر في المجلس ملأه ضحكاً ومحبة، وإذا نطق أضحك من حوله حتى في أصعب الظروف. تلك الروح المرحة التي كانت مفاتيح قلوب جنوده ورفاقه، والتي بقيت قصصها تروى حتى اليوم، وكأنها حدثت بالأمس،،
مهما كتبنا عن القائد اللواء الركن ناذخ، تظل كلماتنا قاصرة عن الإحاطة بمكانته، وعاجزة عن تجسيد قيمته الحقيقية. فالرجل أكبر من السطور، وأعظم من أن تختصره فقرة أو مقال،، تلك الشخصية التي صنعت حضورها بثبات الموقف، وصدق الانتماء، وخبرة السنين في ميادين الشرف، لا يمكن أن يوفيها القلم حقها مهما حاولنا،
لقد كتبنا عنه بعض ما نعرف، وبقي الكثير مما نجهل، كتبنا عن بصماته في سلاح المدفعية، وعن أثره في العسكر والرجال والميادين، لكن الذي لم يُكتب أعظم بكثير مما كُتب. وما هذه الكلمات إلا محاولة بسيطة لحفظ بعض من جميل سيرته، وإجلال لما قدّمه لوطنه وقواته وقيمه.
رحم الله اللواء الركن العم ناذخ الذي توفي عام 2021م، الرجل الذي جمع بين الصرامة والإنسانية، بين الدهاء والابتسامة، بين القائد الذي تهابه المعارك،والإنسان الذي تحبه القلوب.
لقد رحل بجسده، لكن أثره باقي في ذاكرة دثينة وفي تاريخ أبين وفي كل زاوية من تاريخ اليمن العسكري.
رحمة الله تغشاه، وجعل ما قدمه للوطن نورا يجري في ميزان حسناته.
✍️مصطفى عباد السعيدي
الموافق 20 نوفمبر 2025







