علي البجيري… حين يشيخ اللسان قبل صاحبه

كتب: علي سيقلي

الشاعر علي حسين البجيري، رجلٌ كنتُ أحسبه، مثل كثيرين، قد شاب على حكمة، ونضج على رصانة، وتهذّب على مقامات الرجال الذين ينتمون لقبيلة محترمة ومحافظة لا تقبل بين جنباتها رائحة الجيف السياسية. لكنّ الأيام تُصرّ دائماً على أن تفاجئنا: فحتى العجائز أحياناً يكتشفون في أرذل العمر موهبةً جديدة، ألا وهي موهبة البذاءة.

الرجل لم يعد يمارس السياسة، بل يمارس هواية أخرى: الانزلاق. انزلاق في القول، في الوصف، وفي التعاطي مع القبائل وكأنها حقول تجارب لسانه الذي تجاوز حدّ الوقاحة.
يبدو أن الشيخ الكبير قرر أن يفتتح لنفسه دكاناً جديداً اسمه: “إهانة بنظام القطرات”؛ يوزّع فيه سباباً هنا، وحقداً هناك، وكأنه يظن أن الشتيمة مشروع سياسي، أو أن العنصرية ترفع منسوب الوطنية.

والطامة ليست في رأيه السياسي – فالرأي شأنٌ شخصي – بل في تلك العدوى اللغوية التي أصابته مؤخراً، والتي جعلته ينتقل من “النقد” إلى “الردح”، ومن “الموقف” إلى “اللطم”، ومن “التحليل” إلى “التهريج”.
وكل هذا وهو يظنّ نفسه ما يزال في مقام الشيوخ، مع أن الشيوخ الحقيقيين يتوضؤون قبل أن يتكلموا.

إن الرجل، وبكل وضوح لا يشبه قبيلته في شيء. تلك القبيلة العريقة التي نكنّ لها كل الاحترام، والتي عرفنا رجالها أعمدة في الشهامة، لا سلاطة لسان، ولا إسفاف شتّام. محافظة بأكملها تقوم على مبدأ: كل شاة مُعلّقة بعرقوبها، ولا يتحمل أحد وزر آخر، خصوصاً إذا كان الآخر قد قرر أن يعلّق نفسه وحده.

نحن لا نلوم القبيلة، ولا المحافظة، ولا الجيران، ولا حتى الذين يسكنون في الشارع نفسه. فنحن أمام حالة فردية نادرة:
رجلٌ قرر أن يتحوّل من “سياسي” إلى “مكب نفايات لفظية” دون إذنٍ من أحد.

والنقد – يا شيخ علي – فنّ له أصول، أساسه الحجة والمنطق، لا الشتيمة واللعنة. من يملك موقفاً يحاجج، ومن يملك فهماً يحاور، ومن يملك فراغاً، يشتم ويعمم. وللأسف، يبدو أن فراغك قد اتسع حتى ضاق بك.

كنتَ قادراً أن تكون رمزاً، لكنك آثرت أن تصبح نكتة بايخة، والمصيبة ليست أنك تظن نفسك صاحب رأي، بل أنك تظن أن رأيك يُلزِم أحداً.
في النهاية يا بجيري، إن كان لسانك قد قرر أن يشيخ قبلك، فذلك شأنك وحدك.
أما نحن، فسنظل نفرّق بين الرجال، وبين من يظن أن الضجيج بطولة.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى