الفداء يُتوارَث والعهدُ مستمرّ.. الابن يلحق بأبيه شهيدًا

أبين ميديا /تقرير /يحيى أحمد
في سجلات التاريخ، هناك قصص تتجاوز الحبر على الورق لتصبح أيقونات خالدة تروي معنى الفداء والتضحية من أجل الوطن.
في سجل الجنوب العربي الخالد، لا تُكتب البطولة بالحبر، بل بالدم المسفوك والوفاء المتجذر.. هنا تتجسد عظمة الأرض والانتماء في ملحمة أسرة واحدة، حيث يمتد الشرف من جيل إلى جيل، ويصبح الدفاع عن الجنوب العربي إرثًا مقدسًا يُنقل من الأب إلى الابن.
أسرة الشهيد مبارك عبد الله سالم الحني وابنه البطل، تجسد أسمى معاني الوفاء والتضحية المطلقة لأرض رفضت أن تخضع وشعب لا ينكسر أمام المحتل، فقد كتبت الأسرة بدماء أبنائها أعظم معاني الفداء، لتثبت أن إرادة استعادة دولة الجنوب العربي تتدفق في العروق جيلاً بعد جيل.
بدأت الملحمة برصاصة غدر استهدفت الأب في 25 نوفمبر 2009، ولم تنتهِ إلا بطلقة مجد استشهد بها الابن اليوم في معسكر عارين بمحافظة شبوة.
في ذلك اليوم المشؤوم من عام 2009، أقدمت قوات الاحتلال اليمني على نشر عناصرها العسكرية على مداخل مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، لمنع أبناء المحافظة من الاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين لاستقلال الجنوب، الذي كان يقيمه الحراك الجنوبي السلمي.
وعند وصول المواطنين، بادر الجنود بإطلاق النار عليهم، ما أدى إلى استشهاد الأب مبارك عبد الله سالم الحني وابن عمه أحمد عبد الله سالم الحني.. لم يكن المشهد حينها معركة مسلحة، بل ثورة سلمية لشعب غاضب يحمل علم دولته المحتلة ويطالب بالحرية واستعادة الدولة.
لم يقتل رصاصة الغدر حلم الأب، بل زرعت بذرة بطل حمل اسمه وعزيمته.. وبعد ستة عشر عامًا من استشهاد الأب، تعود أسرة الحني لتتصدر المشهد في الجنوب، هذه المرة في جبهات القتال، حيث خاض ابنه عبد الخالق مبارك عبد الله سالم الحني العولقي معارك شرسة في محافظة شبوة ضد عناصر الإرهاب الإخواني اليمني، دفاعًا عن الأمن والاستقرار في الجنوب العربي، ليستشهد الابن البطل إثر هجوم إرهابي غادر، ليؤكد أن التضحية ليست مجرد فعل عابر، بل إرث عائلي وعقيدة وطنية لا يمكن التنازل عنها.
حمل الابن بندقية الأب التي لم تُطلق، وتحول من وريث لدم شهيد الحراك السلمي إلى صانع فجر النصر الجديد في جبهات شبوة، لم يتردد، وكان في الصفوف الأولى يدافع عن الأرض والعرض وهوية الجنوب العربي، ويطهرها من عناصر الإرهاب.
الارث المقدس: رسالة الدم والتراب
تؤكد دماء الأب في 2009 شرعية قضية الجنوب العربي وحق الشعب في استعادة دولته سلمياً، بينما تؤكد دماء الابن اليوم أن هذا الحق أصبح دفاعًا مشروعًا لحماية ذلك المكتسب الوطني.
رسالة واضحة من جيل إلى جيل: “لن نتوقف حتى تعود دولة الجنوب العربي”.. فالابن لم ينسَ دم أبيه، بل حوله إلى طاقة دفع للقتال في سبيل ذات الهدف الذي ضحى الأب من أجله، وهو إرادة شعب الجنوب المتصلة من فداء إلى فداء.
استشهاد الابن في مواجهة الإرهاب الإخواني يسلط الضوء على حقيقة المعركة الحالية: بناء دولة حديثة مستقرة في مواجهة قوى الظلام، والدفاع عن استقرار الجنوب الإقليمي ضد من يستخدمون الدين ستارًا لمشاريع احتلالية جديدة.
تضحية أسرة الحني هي أيقونة حقيقية تضاف إلى سجل البطولة الجنوبي، وتجسد بألف كلمة مشهدًا واحدًا: “لن يهدأ لنا بال، ولن نضع سلاحنا، ولن نترك الحلم، ما دام فينا عرق ينبض”.
من رصاصة الغدر في مظاهرة سلمية إلى طلقة المجد في جبهة العزة، الأب والابن يرويان بدمائهما أن ثمن الحرية غالٍ، ولكنه يستحق.. لم يموتوا، بل تحولوا إلى منارات تهدي الأجيال القادمة نحو استعادة الدولة الجنوب العربي بحدودها التاريخية.








