متحري “الجزيرة” في اليمن.. قنابل دخان من أرشيف “الفتنة”
الزلزال الذي ضرب إخوان اليمن بإخماد تمردهم في شبوة ارتدت رجته لتصيب أبواق التنظيم فنصبت الفخاخ تنبش في التاريخ أملا بفتنة تغطي على إخفاقاتهم.
لم يكن مستغربا أن تدخل قناة الجزيرة القطرية على خط مصاب إخوان اليمن في شبوة، فالحدث جلل والخسائر فادحة وكان لا بد من محاولة إعادة الاعتبار، حتى عبر تزييف الحقائق وفبركة النصوص على مقاس الخيبات والنكسات،
حاول بوق الإخوان الثأر لحزب الإصلاح، ذراع إخوان اليمن، عبر استهداف المجلس الانتقالي الجنوبي انتقاما منه لدعمه إجراءات اتخذها محافظ شبوة لدحر التمرد على الشرعية.
وقاد الإخوان وقياداتهم العسكرية والأمنية في محور عتق والقوات الخاصة والنجدة في شبوة، تمردا على الشرعية، وذلك منذ إقالة قائد القوات الخاصة عبدربه لعكب، لضلوعه في قضايا اقتتال وإثارة فوضى داخل المحافظة التي توجد مليشيات الحوثي على حدودها من جهتي البيضاء ومأرب.
وعلى وقع هذه الفتنة، اتخذ المجلس الرئاسي إجراءات حاسمة، في مقدمتها تعيين 3 قيادات عسكرية وأمنية في شبوة وذلك بعد إقالته للقيادات الإخوانية المتمردة، قبل أن يعلن محافظ شبوة، عوض ابن الوزير العولقي، في 10 أغسطس/ آب الجاري، انطلاق عملية عسكرية لإنهاء تمرد الإخوان، وفرض الأمن والاستقرار في عتق، عاصمة المحافظة.
إجراءات أخمدت أنفاس التمرد وكتبت فصلا جديدا من الخزي للتنظيم الإرهابي، ما دفعه للاستنجاد بأبواقه أملا في رد اعتبار وإن كان على حساب المصداقية التي تفرضها الرسالة الإعلامية.
نصبت القناة محكمتها للتاريخ اليمني، فأولت الأحداث على مقاس أهدافها، واستدعت تاريخ الخلافات والصراعات السياسية بجنوب اليمن، في محاولة إحداث وقيعة بين أهالي الجنوب.
حاولت اللعب على وتر التناقضات وانعطافات التاريخ وهوامش الحقائق، وجندت الحاقدين والطامعين والعملاء من أجل شهادات مزيفة غذت بها نزعتها الانتقامية التي لم تخف على المتابعين ممن انتفضوا غضبا على التوظيف اللامهني لأحداث التاريخ، وتشويه حيثياته وتحفيز النعرات، وهي الخطوط الحمراء التي يفرضها الإعلام النزيه ضمن أبجديات وأسس ميثاق العمل الصحفي حول العالم.
نيران الفتنة
بعد نحو 3 أشهر من حديثه لقناة حوثية، أطل يحيى منصور أبو أصبع من قناة الجزيرة القطرية في شهادة زور جديدة يجتر عبرها أحداث الماضي اليمني.
لم يكن أبو أصبع إلا إحدى الشخصيات التي اعتمد عليها البوق الإخواني جمال المليكي في فيلمه “الأخوة الأعداء” الذي بثه الجمعة ضمن برنامج «المتحري»، محاولا إشعال مزيد من الحرائق في اليمن من أجل تحقيق الأجندة الحوثية والإخوانية المشتركة.
توقيت بث البرنامج الذي يأتي في سياق الإخفاقات الإخوانية المدوية في شبوة، كشف مخططات قناة الجزيرة ومساعيها لجذب الأنظار بعيدا عن التمرد الإخواني العسكري في شبوة، فحاول المليكي، ذراع الإخوان الإعلامية، اللعب على جراح صراعات الماضي وتوظيفها في معركة الراهن السياسي لصالح الإخوان والحوثيين.
وبث البرنامج ما يشبه اعترافات للرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد وشهادته بالحرب الأهلية في 13 يناير/ كانون ثاني 1986، وكان أحد الأطراف الرئيسية فيها.
وحاول “متحري الإخوان” تزوير محطات تاريخية من الأحداث التي دارت بين فصيلين من الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، فصيل الرئيس السابق عبدالفتاح إسماعيل، وفصيل الرئيس علي ناصر محمد، لقيادة الحزب الاشتراكي.
ويستهدف الإخوان إعادة الجنوب إلى مسرح الاقتتال، ضمن عداء ممنهج ومدروس إعلاميا وعلى الأرض، معتقدين أن اجترار الماضي وتلوينه قادر على تفكيك اللحمة الجنوبية التي نجحت في صد مليشيات الحوثي وتنظيم الإخوان طيلة الأعوام الماضية.
السر في التوقيت
وتضمن فيلم الجزيرة اعترافات علي ناصر باشعال الحرب في عام 1986، واعتمد “المتحري” على شهادات الرئيس علي سالم والموثقة والتي سبق أن نشرها تلفزيون عدن في أعقاب تلك الأحداث.
ويرى مراقبون وصحفيين أن “الجزيرة تعيد تسويق ما هو معلوم للجنوبيين وموثق تاريخيا”، لافتين إلى أن التوقيت هو السر، مؤكدين أن الفيلم “يكسي مشروع للفتنة برداء الحقائق التاريخية في سياق حملة إخوانية منظمة ضد الجنوب والمجلس الانتقالي”.
ويشير المتابعون إلى أن “متحري الجزيرة كأي سفسطائي رديء يعيد تسويق تحصيل الحاصل معتمدا على توقيت البث لإضافة ما يبدو بعدا جديدا على قديم قتل بحثا”.
رحلة أكاذيب
بعد أقل من عام على بث متحري الإخوان فيلم “الأطماع المبكرة” الذي زعم فيه جمال المليكي أنه تتويج لرحلة استمرت عاما ونصف من التقصي والبحث، خرج ذات الرجل يزعم أن فيلم “الأخوة الأعداء” استغرق 3 أعوام.
وبالعودة للفيلم السابق وقبله “الطريق إلى الساحل»، لم يحقق المليكي والجزيرة أكثر من ضجيج موضعي لا صلة له بالواقع، حيث يرى مراقبون أن الرجل أخفق مجددا في ربط أحداث الماضي جنوبي اليمن بما يحدث اليوم في المحافظات الجنوبية، حين بات الجنوبيون كتلة واحدة ومتماسكة في مواجهة الأطماع الإخوانية والحوثية.
ويرى رئيس تحرير “مراقبون برس”، ماجد الداعري، أن “الأمر لا يعدو أن يكون سوى تعمد إعلامي فقط لنكئ جراح الماضي ونبش مواجع أبشع فترة دموية جنوبية وتذكير الأجيال بمآسيها ومحاولة إسقاطها سياسيا على حال صراع جنوب اليوم المختلف جذريا بشخوصه وأهدافه وخصومه”.
وبخصوص حديث الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد في برنامج متحري الإخوان، عتبر الداعري أن التاريخ “يدينه وفريقه بالتسبب بأحداث 1986 الدامية، وبتنفيذ مخطط التصفية الدموية لرفاقه في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي بمنطقة فتح التواهي، قيادة المنطقة العسكرية الرابعة حاليا”.
وأضاف أنه “كان الرجل الأول بالدولة والأكثر قدرة على حسم الأمور لصالحه وفريقه السباق نحو مخطط الدم، مهما حاول التذرع بتلقيه إشارة خضراء من الوسيط العربي جورج حاوي باستحالة أي حل آخر بالنسبة لموقف على عنتر وفريقه، كون ذلك الاشتراكي القومي المعتق لم يسبق أن أشار أو لمح، في كل تصريحاته وحواراته ومذكراته لحديث كهذا الذي قاله ناصر بالبرنامج على لسانه”.
وأوضح “أن محاولة الرئيس الأسبق علي ناصر، التمسك بجملته القهرية المعتادة، بأن المنتصر في أحداث يناير المشؤومة 1986 مهزوم ولو بعد حين، تكشف مدى استمرار إحساسه بوقع مرارة هزيمته وفريقه في تلك الأحداث المأساوية التي فجرها ليستأثر لوحدة بكل السلطات”.
نوايا خبيثة
الصحفي الجنوبي البارز صالح الحنشي، يعتبر من جانبه أن اختيار عنوان الفيلم “الأخوة الأعداء” يكشف النوايا الخبيثة لمن يقف خلفه،في إشارة للإخوان ورعاة وممولي قناة الجزيرة.
وكتب الحنشي عبر حسابه بموقع فيسبوك يقول في تدوينة طالعتها «العين الإخبارية”، إن “اليفلم تضمن إصرارا على نبش فكرة العداء وتذكير بها، حيث بث الفيلم بعد ترويج استمر لأكثر من 10 أيام باعتماد الموسيقى التصويرية في أفلام السينما التي تهيئ المتابع للحدث القادم في الفيلم”.
من جهته، قال المحلل السياسي خالد سلمان، إن متحري الإخوان لم يعمل أكثر من تجميع مجرد “قصاصات ومرويات سبق لوكها على مدى عقود، وسرقة حديث البيض من مكتبة تلفزيون عدن، وتصديرها بالحصري الخاص بالجزيرة القطرية”.
وأضاف أنه “لاشيء جديد يستحق التناول في البرنامج سوى نكئ جراح الصراعات الداخلية وتوظيفها في معركة الراهن السياسي بين الرئاسي والإنتقالي وحزب الإصلاح الإخواني الغاضب”.
وتابع أن “الرئيس الأسبق علي ناصر كان ظهوره خارج السياق، وتواريه كان من شأنه أن يساعد على ضمور الجزء الذي يسكن فيه في ذاكرة هو دلالتها المؤذية والأكثر تقرحاً في مشهدية الصراع”.
ونبه سلمان إلى أن “ما سيشتغل عليه إعلام الإخوان بعد التحري، أن الجنوب مفتوح على يناير أُخرى، وأن على كل صاحب ثأر أن يحمل بندقيته ويضغط على الزناد”.
وأشار إلى أن “البرنامج لا يستحق التعليق عليه ناهيك عن عناء المتابعة»، وفند أقوال أحد الضيوف من جملته الختامية حول دفن الناس أحياء أن “هذا رجل يكذب ويعلم جيداً أنه يكذب ومع ذلك يصر أن يكذب”.
سقطت الجزيرة كما تفعل دائما حين يتعلق الأمر بمصير الشعوب، وأكدت أن هدفها هو تحويل الإخوة لإعداء وضرب الروابط عبر الوقيعة بين أبناء الشعب الواحد، تماما كما فعلت في تونس وليبيا وسوريا وغيرها.
فكيف لقناة تعمل بمنطق الولاء للإيديولوجيا والاحتكام للأجندات السياسية أن يعتد ببرامجها بعد كم السقطات المهنية المسجلة ضدها؟ وكيف للشعوب أن تأتمنها على مصيرها والوقوع في شراك كمائنها؟
سهام مرتدة
سهام الغضب ترتد على مؤامرات أبواق إخوان اليمن، فتفاقم صدى هزيمتهم المدوية في شبوة، عبر حملة واسعة النطاق شنها يمنيون ضد متحري التنظيم، متهمين قناة الجزيرة بإشعال نار فتنة جنوبية انتقامًا لحزب الإصلاح.
انتفض اليمنيون على برنامج الجزيرة، وازدحمت مواقع التواصل بعبارات التنديد والاستنكار، وعوض أن يدفعم إلى الاقتتال، احتشدوا في جبهات متماسكة عبر تويتر وفيسبوك وشكلوا أحزمة الكترونية تشيد حائط صد بوجه الفتنة والوقيعة.
أرادت الجزيرة انقساما بصفوف الجنوبيين، فزادتهم لحمة، وقلصت في المقابل من رصيدها المتآكل، لتثير زوبعة مضادة دكت برنامجها ومذيعها، وقضت على آخر الآمال بأن تتعلم القناة من سقطاتها السابقة التي كلفت شعوبا بأكملها أمنها واستقرارها.
#العين الإخبارية