المعلم بين داء الإحباط ودواء الإضراب

كتب/خالد شرفان

باتت قطاعات حكومية في البلد يعاني موظفوها صعوبة عيش خانقة، يصعب لأي كاتب أن يختزلها بمقال عابر، أو شاعر بأبيات مرتجلة على بحر الرمل، ومن أهم تلك القطاعات الحاضرة والمتواجدة في الميدان والمغيبة في الحقوق والجزاء والمكافآت الذين يعانون أبشع أنواع الظلم والنسيان “قطاع التعليم”!.

التعليم باليمن ياسادة من أسوأ القطاعات الحكومية معاناة ومن أشد القطاعات صبرًا وروي وثبات، فسنوات أمد الحرب “التسع” زادت في نزوح وقتل بعضهم بسبب توجهاتهم السياسية أو كانت لهم وجهة نظر مغايرة، الحرب زادت من تهجير واعتقال عدد كبير منهم ليزداد الألم وتكثر الحسرة ويقل المعاش وتكثر الآه وتتضخم المعاناة.
المعلم صاحب رسالة ومطالب دائمًا بالكثير وعليه القيام بتأدية عمله وفي أعتى الظروف وأصعبها وسط المطر الغزير والحر الشديد والبرد القارس ليس له هناك عذر، ويؤدب وترفع عصا التوبيخ والخصم على معاشه الهزيل أن هو تقاعس أو تساهل (وربما يفصل في أصعب الحالات)، وعليه أن لايشكو ولايشرح ولا يصرخ ولاينطق ببنت شفة ويظل مكتّم وصامت أبد الدهر يصارع أقداره وحده لينال درجة “شباش”.

الآن وبما وأننا نحنُ وهم على عتبات عام جديد تفتح فيها أبواب المدارس للطلاب والطالبات والكل متحمس في إلحاق أولاده لصفوف التعليم ماعدا “هو” محور وركيزة العملية التعليمية “الأستاذ” الذي يتسلل له اليأس وتتزاحم في ذاكرته شريط وقطار الذكريات رابطًا مابين الأمس واليوم (كيف من علمهم قبل سنوات الحرب أصبحوا اليوم عظماء وبحجم الوطن ويستلموا مبالغ مالية عالية عشرة أضعاف راتبه ويمتلكون السيارات الفارهة والعقار والعمار وهو لايملك مشط لحمار!) لماذا دائمًا يكون سلم عبور تفنيه قسوة الحياة ليصبح رقم فارغ الجميع يمرون عليه ويتخطوه..
أزمات مالية ومعيشة كبيرة في الحقيقة لايقو على مواجهتها هذه التوليفة من حطام إنسان المسماه “معلم”.

تدور في باله وخلجه وتفكيره ألف وسيلة لإيصال صوته المبحوح المتعب إلى أروقة من بيده تغيير حاله لعل وعسى أن تغمز شباك السعد له ويبتسم حظه العاثر، ومع كل عام يؤجلها ولكن هذه المرة يحب إستخدامها
((الإضراب)).. تلك الوسيلة التقليدية القديمة الجديدة المستخدمه في كل بقاع العالم المتقدمة والمتاخرة قبل الميلاد وبعده ومكفولة ومحمية في القانون والأنظمة واللوائح التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية وهي الخيار الوحيد المناسب للي الأذرع وسماع شكوى الموظف، وعليه يجب استخدامها ودون هوادة وأن التساهل في استخدامها يعني العودة للمربع السابق ضياع وشتات وفقر وفاقة، مع إغلاق وعدم السماح والسماع لأصوات النشاز الدخيلة التي تظهر مع كل إضراب جزئي “سابق”، والضرب بيدٍ من حديد ورفع سقف المطالب والحقوق والأمنيات المشروعة.
لذلك (استباقًا) ندرك أن الوضع التعليمي متردي وأن حالة الإضراب ستزيده ترنحًا وضعفًا فوق ماهو عليه ولكن ماسيحدث كان شيء حتمي خارج عن الإرادة ولابد منه لوضع جملة من المعالجات الجذرية لترضية المعلم لنرد له جزء من كرامته وحقوقه الوطنية المنسية، وكما يقال (آخر علاج الكي).

معلم فقير معدم لايجد مايسد به رمقه ورمق من يعول يخيط قميصه وبنطاله بخيوط اكياس الدقيق!
ويغطي رأسه بأكياس الأسمنت الفارغة من أشعة الشمس ويذهب للمدرسة بملابس رثة مهترئة وأحذية مشققة بالية لاتصلح ولاتليق بمربي أجيال محترم ببلد محترم!.

يرى المعلم في الإضراب طوق نجاة ودخان استنجاد بجزيرة نائية بوسط المحيط وهو يلوح بكلتا يديه ليجذب الإنتباه لأقرب مار بعرض الجزيرة، الحكومة لم تعد تعول على المعلم ولا التعليم أدنى اهتمام وصبت جام اهتمامها على التجييش والتحشيد وشراء الآلات والمعدات العسكرية وشراء المشتقات النفطية المغشوشة ورحلات الاستجمام في القاهرة.

يُحكى إنّ بعض المعلمين معاشاتهم أقل من 35$ أي 40 ألفًا يمنيًا والذي لايساوي قيمة كيس سكر فما بالكم بقيمة السلع الأخرى والدواء والغذاء والماء والكهرباء والمأوى!، حقيقة المعلم يحتاج إلى موارد مادية مالية بشكل رئيس تضمن له كرامته ليقدم خدماته المرجوه منه لا أن يهان ويُكسر ويذل ثم نطالبه بأن ينشىء ويبني جيل جديد متسلح بالعلم من بقايا إنسان محطم ومكسور من الداخل.

إن ازمة التضخم النقدي المتزايدة بقيمة الريال الأخيرة زادت من تفاقم الأزمة المالية والمعيشة لعامة الشعب والتربوي أكثر تلك الفئات سُحقًا وإبادة وفتكًا وعلى مرأى ومسمع من الحكومة كما ذكرت أعلاه، مع صمت مطبق من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والحقوقية والأممية “اليونيسيف” فلا يُلام أن رأينا معلمًا بالأمس بائعًا للمساويك والجرجير بشارع الثقافة!.
الإضراب الإضراب.. فلاشيء سيتحقق دون الإضراب المفتوح والشامع والواسع والكبير المطاط المُشل للحركة التعليمية ولتبلغ الأصوات عنان السماء لتكون العلاجات على قدر الحدث، هذه حقوق والحقوق والحريات تأخذ “تكشيرًا” وعنفوانًا واغتصابًا لا توددًا فيها ولارأفة ولارحمة و استعطاف، وتأجيل وتوفير سيول دموع التماسيح المنادية لفك حصار الإضراب حفاظًا على مستقبل الفلذة والفلذات يجب تأجيله إلى أجل غير مسمى.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى