الأديب العماني خالد بن سعد الشنفري في رحاب اتحاد أدباء وكتاب الجنوب

كتب / أ.د. مسعود عمشوش

بعد أسبوع من نجاح الفعالية التي نظمتها الأمانة العام لاتحاد أدباء وكتاب الجنوب للكاتب والإعلامي المغربي توفيق كازوليت، شهدت قاعة الفعاليات بالاتحاد، عصر اليوم السبت 10 فبراير 2024، فعالية متميّزة احتفاء بزيارة الأديب العماني خالد بن سعد الشنفري، حضرها حشد كبير من الأدباء والأساتذة والمهتمين، بينهم الأستاذ د. جنيد محمد الجنيد، رئيس الاتحاد والأخ عبد السلام مسعد رئيس لجنة الحوار. وقد تضمنت الفعالية تقديما ألقاه الأديب خالد الشنفري لمسار حياته وأبرز أعماله المنشورة: رواية (طفلة) و(البطران سوالف الستينات)، وكذلك نقاشا مستفيضا لتلك الأعمال شارك فيه كل من ود. سالم السلفي ونجمي عبد المجيد ود. أديبة البحري والشاعر شوقي شفيق ود. محمد بلعيد وعبد الله النعماني ود. صلاح الأرضي الناقد كمال اليماني وذي يزن الشرجبي. وكان لي شرف تقديم الأديب العماني خالد الشنفري بالنص الآتي:

ولد خالد بن سعد الشنفري سنة 1961 في مديرية الحافة، التي تقع في الامتداد الساحلي لصلالة، بندر ظفار التاريخي. وقد كتب في مقالٍ نشرهُ في صحيفة (رؤية) العمانية في 2 يوليو 2021، بعنوان (الحافة.. وجدانٌ وليست ذاكرة): “ولدتُ وترعرعتُ في الحافة، عشتُ فيها 10 سنواتٍ من طفولتي الغبراء، قبل بزوغ عصر النهضة المُباركة علينا، وسط بيوتها وبين أزقتها وحاراتها، ودكك جلسات مساجدها وحلقات تجمعات شواطئها، حيث كان الزمن حينها قد توقف عن التطور الحضري لسنوات خلت قبل ذلك إذا لم يكن لعقود، وهذا بالطبع لم يكن حال الحافة وحدها، بل ظفار وعُمان قاطبة للظروف التي نعلمها جميعًا كعُمانيين”. ويضيف: “كانت الحافة بندر ظفار الرئيس من ضلكوت غربًا إلى سدح وحاسك شرقًا، كان بها فرضة ظفار (الجمرك) التي منها وإليها تتم تجارة ظفار كلها الساحل والجبل والنجد. وعلى شواطئها كانت تُستقبل السفن الخشبية للتجارة، والبضائع ونقل المسافرين بين مختلف مناطق عُمان وعدن ودول الخليج العربي، وحتى الهند وأفريقيا…”
وبالنسبة لبدايته مع التعليم، يذكر خالد الشنفري أنه التحق أولا بمعلامة جارهم في الحافة علي مقيبل، وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة والحساب في فترة ما بعد الظهيرة، وكتب في المقال السابق: “من أقدار الحافة التي كان يطلق عليها آنذاك “شبديت ثيريت”، وتعني باللغة الشحرية “الكبد الرطبة” أن تحظى بثلاثة أساتذة معلمين أجلّاء؛ لكل منهم مدرسة خاصة به، إضافة إلى بعض المُعلمات الفاضلات لتعليم الإناث.. وكان لكل منهم مدرسته الخاصة به في بيته، فإضافة إلى أستاذي علي مقيبل الأقرب جيرة لبيتنا، كانت هناك أيضًا مدرسة المرحوم الشيخ الأستاذ عامر بن أحمد بن بخيت الشنفري شرقي الحافة، والأستاذ أحمد بن سعيد باعنقود- أطال الله عمره- في جنوبها”.
وفي سنة 1970، أي مع إطلالة (عصر النهضة العمانية)، التحق خالد بالمدرسة السعيدية، التي كان يديرها حينذاك المعلم الحضرمي محمد بايعشوت. وفي صلالة أكمل تعليمه الثانوي والتحق بجامعة الإسكندرية. وبعد تخرجه منها وحصوله سنة 1984 على شهادة البكالوريوس في الحقوق، أصرّ على الاستقرار في صلالة والعمل في الدائرة القانونية بإدارة محافظة ظفار، وذلك ليُسهِم في نهضتها. ومارس فيها وفي مسقط المحاماة. ومنذ أن ترك العمل الحكومي سنة 2017 حبّذ ابن ظفار العيش فيها والتفرغ للمحاماة، وأكثر منها للكتابة.

ماذا كتب ويكتب خالد الشنفري؟
كتب خالد الشنفري كثيرا من المقالات التي تركـّـز على نبش الماضي وسرده، لاسيما فترة ستينيات القرن الماضي التي تزامنت مع العقد الأول من عمره، الذي أمضاه في الحافة. وقد نُشرت مقالاته في عددٍ من في الصحف العربية، وفي مقدمتها صحيفة (رؤية) العمانية. وفي معظم تلك المقالات يتناول خالد الشنفري أوجه الحياة في ظفار، ماضيا وحاضرا. وفي الحقيقة يركز الشنفري في مقالاته على ذكريات الماضي الذي يرى أنه هو الذي نصنع منه الحاضر والمستقبل، فقد كتب في مقالته السردية (حجفوف والبانيان): “صفحات نطويها ورقة تلي ورقة كما تُطوَى أوراق روزنامة التاريخ وتبقى لنا منها الذكريات، والذكريات صدى لسنين الماضي، فما نحن عليه اليوم في حاضرنا لا ينفصل عما كنَّا عليه في الماضي، ليس امتدادا له فقط وإنما مقدمة لما بعده، ومن هذا الماضي نستشرف المستقبل متعظين من تجاربه. نخطط ونرسم ونبني المستقبل باجترار الماضي كما يجتر الجمل (سفينة الصحراء) ماءه من أحشائه ليستمر في قطع الصحاري والقفار حيث يشح الماء وهذه من آيات الله في خلقه، فقد خلقت الإبل لنا آيةً (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت). والذكريات عِبَر، ومنها تولد الفكر ويتشكل المستقبل، وما نأمل أن تكون عليه حياتنا، وهكذا تجدد الحياة نفسها، والتغيير والتطور من سنن الله في أرضه”.
كما تطرق خالد الشنفري لبعض جوانب الحياة في بعض أصقاع الوطن العربي الأخرى، فهو مثلا خصص مقالين مهمين لمدينة عدن في الحاضر والماضي: (عدن زهرة المائن) و(رابضة وبَدية عدن).
وفي سنة 2019 نشر خالد الشنفري روايته (طـَفلَة)، التي يسرد فيها قصة حبٍّ بين البطل علي (الذي يقول المؤلف إنه يجسد جزءا من ذاته) والفتاة الظفارية طفلة التي يؤكد الشنفري أنها خلق بواسطتها أنموذجا للفتاة الظفارية. وتجري معظم أحداث الرواية في ظفار وتحديدا صلالة خلال عقد الستينيات من القرن الماضي. ولا شك في أن الرواية، إضافة إلى توظيفها لتلك البيئة الظفارية وتصويرها لها، قد تضمنت كذلك بعض الأبعاد التاريخية، إذ أن بعض أحداثها تتطابق مع ما حدث فعلا في ظفار وعمان بشكل عام خلال تلك الفترة. وتمتدّ بعض أحداث الرواية إلى مدن الجنوب العربي الأخرى كعدن التي يشتري منها البطل البخور والمناديل والعطور لحبيبته طفلة. ويلتقي علي كذلك بشخصيات عاشت من لبنان وسوريا.
وفي سنة 2022 نشر خالد الشنفري كتابه الثاني (البطران، سوالف الستينات) الذي يتضمن خمسة نصوص يمكننا أن نعثر في مقالاته على صياغات أخرى لها. ويصعب في الحقيقة تصنيف تلك النصوص، التي تتضمن جميعها تقديما للبيئة الظفارية في ستينيات القرن الماضي، ضمن جنس أدبي بعينه؛ فإذا كان بإمكاننا اعتبار نص (البطران)، الذي حمل الكتاب عنوانه، قصةً قصيرةً، فنص (الرعاة الصغار) عبارة عن توظيف لأساليب حكايات الأطفال في ظفار، التي تخصصت في جمعها زميلته الظفارية ثمنة الجندل، والتي استفدت كثيرا م كتبت عند تأليفي لكتابي (الحزايا الحضرمية).
ونعثر على هذا النفس الحكائي في نص (الهروب الصعب) الذي يسرد فيه أحد الأجداد قصة رجل استطاع الهروب من السجن، وتوثق بعض الأحداث الممهدة ليوم 23 يوليو 1970. وبالنسبة لنص (كوريا موريا) فقد عمد المؤلف إلى سرد إحدى زياراته لتلك الجزر ووصف جمالها الساحر. وهو يعكس مدى اهتمام المؤلف بالبيئة البحرية العمانية. أما نص (الهاربون والعائدون) فيبدو لي أن المؤلف قد سعى فيه توثيق الأحداث التي سبقت ورافقت يوم 23 يوليو 1970 الذي مسك فيه السلطان المرحوم قابوس بزمام الحكم في عمان.
وفي الختام أعبر عن سعادتي بحلول الأديب خالد الشنفري في مدينته عدن، ونتمنى أن تتكرر زيارته لعدن، قبلة الأدباء أمس واليوم وغدا، هو وزميله الروائي الظفاري محمد الشحري مؤلف رواية (موشكا)، وكذلك زميلته ثمنة الجندل وجميع أشقائنا الأدباء والكتاب العمانيين.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى