هل الحرب في اليمن تعيد استراتيجية السعودية تجاه اليمن ؟ قرأة في الواقع والمالآت.
أبين ميديا / خاص
لم يكون فهم واستيعاب استمرار الحرب في اليمن خلال التسع السنوات الماضية بالأمر السهل الذي يُمكننا من قراءة معطيات الواقع على نحو نستطيع التنبؤ بمالآت الخروج منها. حيث جرت في الواقع تغييرات وتبدلات كبيرة تنقلت وتبدلت فيها مواقف كثير من أطراف الحرب، إذ لم تبقي مواقفهم واهدافهم السابقة ثابتة خلال مدة الحرب.
تسع سنوات مشحونة بالقلق والتوتر اختلطت فيها الدماء بالبارود والجوع بالبذخ والصق بالمراوغة
والتبعية بالتعبئة، والوطنية بالانتهازية،الأمر الذي تعددت وتغيرت فيها مواقف ومسارات الحرب .
فإذا كانت المملكة العربية السعودية هي الدولة والجارة الكبرى قد قادة التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية باليمن بهدف إعادتها إلى صنعاء وإسقاط الحوثي المنقلب على الشرعية. إلا أن تلك الأهداف المعلنة في بدأية الحرب لم تستمر ، كما وأنها لم تقتصر على طرفي الحرب المعلن عنها في البداية فحسب!.
إذ يبدوا أن السعودية والتحالف بعامة(وتحديدا دول الجوار) قد اقتربت رؤيتهم في الوقت الحاضر والتي تكاد مبنية على إستراتيجية تتقارب فيها مواقفهم جميعا تجاه التعامل مع اليمن والخروج من الأزمة، بعد مراجعة اهدافهم السابقة عند تدخلهم لدعم الشرعية اليمنية ضد مليشيات الحوثي / صالح، الذي اختلفوا مع بعضهم وبقي الحوثي لوحده بعد مقتل صالح في ديسمبر عام 2017م.
صمدت الحوثي أمام الضربات طوال التسع السنوات الماضية، وتم طردة من المناطق الجنوبية وكسر كل محاولاته المتجة نحو المناطق الجنوبية التي أصبحت في وضع آخر استقرت فيها الحكومة الشرعية خلال السنوات الماضية وبموجب هذا الواقع الذي انتج حكومتين باليمن مختلفتين في توجهاتهم. كما أن الحرب لم تحسم عسكريا من قبل آي طرف من اطراف الصراع.
لذا اصبح التفكير بالحل السياسي مسألة موضوعية انتجها واقع سنوات الحرب والسّير نحو إيجاد مقاربة متدرجة بين اطراف الحرب وصولا للدخول في مفاوضات الحل النهائي،إلا أن هذا في تقديرنا لن يتحقق الا بتغير نظام الحكم وأدواته القديمة إذا ما اراد اليمنيون الخروج من دوامة الصراعات.
يمكن القول أن هذا التوجه يتوافق مع الاستراتيجية الجديدة للمملكة العربية السعودية التي يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان، وربما هذا التوجه يخالف الاستراتيجيات السابقة للمملكة في تعاملها مع اليمن التي سعت من خلالها إبقاء اليمن في دائرة التبعية وجعله حديقة خلفية لها، وقد مثل التدخل العسكري احدى آليات هذه الاستراتيجيات التي تدعم طرف ضد الأخر، هذه السياسة التي درجت عليها المملكة في تعاملها مع اليمن منذ زمن طويل، ففي زمن الحرب الباردة وقفت المملكة مع الدولة في الشمال ودعمتها ضد الدولة في الجنوب قبل اعلانهما الوحدة 1990م، استمرت سياسة المملكة تدور حيث تحقق مصالحها وقد شاهدنا تغيرها المستمر .
وهو الأمر الذي جعل من بعض الأطراف النفور من تلك السياسة ودفع بهم التوجه بالبحث عن حلفاء آخرين ممن يقفون على النقيض من سياسة المملكة.
كما جرى ايام الحرب البادرة لجوء الجنوب إلى الاتحاد السوفيتي، أو كما جرى مع الحوثيين الذين اتجهو إلى إيران المختلفة مع المملكة .
يظهر ان السياسية التي كانت قائمة على بقاء اليمن في حالة من الصراعات وخلق التناقضات داخل اليمن لم تكون واردة اليوم في ذهنية القيادة السياسية الجديدة في المملكة ممثلة بأمير التجديد محمد بن سلمان الذي يرى بتصفير العلاقات السابقة كما يبدو، والتحول إلى كسب كل الأطراف اليمنية بدلا من السياسة السابقة التي كانت تقوم على تأييد طرف على الآخر بأنها لن تجدوا نفعا.. بل عرضت المملكة إلى جملة من المخاطر.
في الوقت الذي تتجه فيه المملكة نحو التحولات الكبير وفق خطة 20- 30 هذا التوجه بحاجة إلى مزيد من الاستقرار وانها الحروب في دول الجوار.
وهذا ما يفسر توجه المملكة في محاولتها احتواى الكل داخل اليمن في تقديري، إلا أن تطبيق هذا التوجه في الوقت الحاضر نري صعوبة تحققه بسهولة نظرا لحجم تراكم تأثير الصراعات في اليمن وما انتجته من تشظي وخراب إصاب بنية الفكر والممارسة معا لسنوات طويلة، فإذا ما اقدمت المملكة إن صح التعبير السير وفق هذا التوجه الجديد، عليها عودة الأمور إلى حقيقتها الاولية والانطلاق منها بالتدرج في معالجة الاوضاع بمساعدة دول الخليج الأخرى ايضا، لاسيما تلك الدول التي كان لها حضورا في الواقع مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وعلاقتهما باطراف الازمة في اليمن، عبر منظومة من العمل التكتيكي والاستراتيجي معا، الذي لا يتجاوز ثمن تلك التضحيات والاستحقاقات الحضارية والتاريخية والسياسية .
لقد اخذت الازمة اليمنية أبعادا عميقة خلقت تنافرا كبيرا في المجتمع، وهذا يحتاج إلى وقت كافي .
السعودية تبحث عن مخرج من الأزمة، وهذا لا يمكن أن تحصل عليه إلا بالتوازن بين علاقتها ونفوذها معا مع كل الاطراف الفاعلة .
ربما مداخل هذا الاحتواء يتمثل بما تقدمه السعودية من مساعدات اقتصادية في الوقت الحاضر وتقديم الدعم الكافي لصالح التنمية في الأساس لمواجهة التحديات والاختناقات الاقتصادية الحادة وليس للأشخاص .
فإذا سلمنا أن هناك ثلاث قوى رئيسية افرزها واقع الحرب ومسرح عملياتها ممثلة بالسلطة الشرعية التي تتصدرها بعض الاحزاب السياسية اليمنية التقليدية، والطرف الاخر الحوثي،بينما الطرف الثالث المقابل هو المجلس الانتقالي الجنوبي.
ففي حين التقت مصالح الأول والثالث في تحالف الضرورة في الحرب، تم وضعهم في معسكر واحد ضد الثاني، الذي هو في الاصل مرتبط مع ايران كطرف خارجي يتناقض مع اطراف المعسكر الأول المدعوم من السعودية وبقية التحالف العربي .
لم ينجح أي معسكر منهما في حسم الحرب، بل شهد المعسكران صراعات وحروب داخلية بينهما كحرب الحوثي /صالح التي أنتهت بانتصار الأول، بينما لم تحسم الصراعات داخل المعسكر الاول المدعوم من السعودية لهذا سعت المملكة لمقاربتهم تكتيكيا معاً ضد الحوثي، وتم إنتاج قيادة جديدة للشرعية على أمل تقويتها في وجه الآخر إلا أن الامور صارت على نحو لم تساعد على نجاح ذلك ، وهو الأمر الذي ربما دفع بالمملكة إلى إعادة النظر في علاقاتها الحوثي، باتت تقترب منه والإعتراف به. وقد لعبت عمان دوراً واضحاً في هذا السياق، يقابله استقرار العلاقة داخل المعسكر الأول بمساعدة الإمارات والمملكة.
تحاول المملكة وحلفائها في هذه الحرب أن تنأ بنفسها عن الحرب والخروج منها سالمه،هذا ما جعلها أن تذهب إلى الحوثي تتحاور معه، إذ كان هذا الموقف قد أسقط بالضرورة هدف المملكة الذي اعلن ان تدخلها بالحرب جاء لمساعدة الحكومة الشرعية وإسقاط الحوثي .
صادر عن
مركز مدار للدراسات والبحوث.. عدن 17 فبراير 2024م