تطور عادات وتقاليد الزواج في حصن بن عطية ونواحيها منذ خمسينيات القرن الماضي حتى السبعينيات

( الجزء الأول )

كتب: الدكتور سعودي علي عبيد

 

كما أنَّ تلك الطفرة الاقتصادية التي حدثت في نهاية أربعينيات القرن الماضي في منطقة دلتا أبين، وما خلقته من موارد مالية كبيرة، لم تحدث تغييرات في عادات الغذاء أو الملبس أو المسكن فحسب، بل وانعكس ذلك في تطور العلاقات الاجتماعية، والمظهر الاجتماعي، والسلوك العام عند الكثيرين من الناس،الذين عاصروا تلك المرحلة.
فبدلاً من عيش العائلة الواحدة في مسكن واحد – وهو ما فرضته شروط الحياة ما قبل النهضة الزراعية – فقد أخذت العائلات بعد هذه النهضة بالانقسام. واختار الأبناء العيش مستقلين، وذلك بعد أنْ كوَّنوا لأنفسهم أُسراً مستقلة. إلاَّ أنَّ ذلك لا يعني بالضرورة وجود حالة القطيعة التامة بين مكونات العائلة الواحدة، كالذي يحدث في المجتمعات الغربية، بل ظلت أواصر العلاقات الأسرية باقية ومستمرة، وحيَّة لفترة ليست بالقصيرة. إلا أنَّ هذه العلاقات قد تغيرتْ، وذلك بفعل أسباب وعوامل متعددة.
وبشكلٍ عام، فإنَّ انقسام العائلة الواحدة إلى أُسر متعددة، له علاقة بزيادة دخول الأفراد، وتحسن مستواهم المعيشي، بما يعني قدرتهم على اعتمادهم الذاتي اقتصادياً.
ومن تجليَّات العلاقات الاجتماعية الجديدة، إقدام الكثيرين على الزواج بأكثر من امرأة، وذلك بسبب توافر القدرة المالية لدى هؤلاء، ولكن إلى حين. لأنَّ هذه القدرة ستأخذ في التناقص، وذلك عندما تزداد الأسرة عدداً مع بقاء الدخل دون تغيير.
وبالعلاقة مع ما ذكرته على التو، تحضرني قصة ظريفة حدثت تقريباً في منتصف ستينيات القرن الفارط، وذلك عندما زارت بعثة مجلة(العربي)الكويتية مدينتنا الحصن، ونشرت استطلاعاً مصوراً عن زيارتها تلك. وكان أنْ اشتمل ذلك الاستطلاع على صور فوتوغرافية لبعض معالم المدينة مثل:(متجر السيد محمد باهارون، وسوق الخضار والفواكه، وصور فوتوغرافية لمنزل المرحوم سالم سعيد بركات، الذي كان حينئذٍ متزوجاً من ثلاث نساء، يعشن جميعاً في مسكن واحد، مكوناً من ثلاث غرف، واللائي أنجبن له حتى تلك اللحظة نحو(15) فرداً بين بنين وبنات. وقد وجَّه القائمون على ذلك الاستطلاع مجموعة من الأسئلة إلى الوالد سالم بركات. إلاَّ أنَّ ما يعنينا من تلك الأسئلة، هو سؤال واحد فقط، الخاص بعدد أولاده الخمسة عشر وأسمائهم. وكانت المفاجأة عندما لم يستطع ضبط عددهم، ولم يستطع أنْ يتذكَّر أسمائهم جميعاً. وقد نشرت المجلة المذكورة الحكاية في استطلاعها ذاك. وظلَّ الناس يتذكرون تلك الواقعة لفترة طويلة، مع شيءٍ من التندر. علماً أنَّ سالم بركات(يرحمه الله)، يعتبر من الشخصيات الفطنة والذكية والمتفوهة في منطقتنا – برغم أميته – بل كان علماً يشار إليه بالبنان. وكان يعمل كمحام في المحاكم العرفية التي كانت تعمل في تلك الفترة. وهذا موضوع آخر.
والحديث عن تطور عادات وتقاليد الزواج في الحصن وما جاورها، حديثٌ ذو شجون. ولأنه ذو شجون، فالحديث فيه يطول. ولأنه كذلك أيضاً، فمن غير الممكن أن نستقصي كلَّ ما له علاقة بهذا الموضوع. ولذلك فإننا سنعرِّج على بعض المسائل الخاصة بهذه الجزئية، دون الخوض في تفاصيلها.
ومن المؤكد أن تلك العادات والتقاليد كثيرة. وهي تبتدئ من تحديد الشاب للفتاة، التي ستكون شريكة حياته وزوجة له، وتمر بمراحل أخرى: كالخطوبة وفترتها، ومراسيم الزواج، حتى تنتهي إلى وصول العروس إلى منزل عريسها. ثم تبدأ مرحلة أخرى، فتتكون فيها الأسرة النواة(الزوج والزوجة)، ثم تنتقل إلى الأسرة الممتدة(الزوج والزوجة والأولاد)، أي مرحلة ما بعد إنجاب الأطفال.
ولأن الحديث يدور حول الفترة الزمنية التي تبدأ منذ خمسينيات القرن العشرين، وباعتبار أن الحديث يخص أحد المجتمعات الزراعية، لذا فمن المؤكد أن العلاقات الاجتماعية كانت من البساطة والانفتاح في معظمها، مع وجود بعض الأسر المحافظة، وهي قليلة.
فمن ناحية تحديد أو اختيار الشاب لعروسه وشريكة حياته، فإن العملية أخذتْ عدة طرق أو قنوات. وهي ذات علاقة بطبيعة أسرة الفتاة. بمعنى هل هي من النوع المحافظ أو غير المحافظ(1).
فإذا كانت من النوع الأول، فغالباً ما تكون عملية التحديد أو الاختيار، بواسطة واحد من أقارب الشاب. وعلى وجه الخصوص بواسطة النساء(الأم أو الأخت ومن في حكمهما). وذلك من خلال إبداء الإعجاب بتلك الفتاة، وإقناع ولدهم(الشاب) بطلبها للزواج. وهناك طريقة أخرى تعتبر أبسط من الطريقة المذكورة، وهي علاقات الزواج بين الأقارب. وهي لا تحتاج إلى أية شرح. والطريقة الثالثة، هي تلك التي يحصل فيها الشاب على المعلومات عن الفتاة، بواسطة الحديث من آخرين، كالأصدقاء مثلاً. وهذه الطريقة تكون في حالة أن تلك الفتاة تمتاز بصفتي الأخلاق أو الجمال. وهو المطلوب إثباته بحسب قول الرياضيين. وبعدما يستقر الشاب على قراره الأخير بصدد عروسته المختارة، يرسل أهل الشاب شخصاً أو أكثر إلى أهل الفتاة، لطلب يد ابنتهم للشاب. وفي حالة القبول، يتم الحديث عن مهر العروس، وأية شروط أخرى، من ذهب أو فضة وملابس ومنزل الزوجية، والمؤخر(الصداق) وهو المبلغ الذي يدفع إذا ما رغب الزوج في فك عقد الزواج، أي الطلاق. كل ذلك يشكل جزءاً مهماً من تكلفة الزواج. ثم تتبعها تكاليف أخرى منها؛ تكلفة إقامة حفلات الزواج لكلٍّ من العريس والعروس كلٍّ على حده. وبالطبع فهناك مراسيم عقد القرآن. وتتوج العملية بزفاف العروس إلى منزل عريسها.
وإذا انتقلنا إلى التقاليد والعادات عند الأسر من النوع الآخر(غير المحافظة)، فيمكننا القول بأن الطرق والقنوات الثلاث المذكورة سابقاً – الخاصة باختيار الشاب للعروس – تتكرر أيضاً عند هذه الأُسر، ولكن بحدود ومقدار أقل مما هي عند النوع الأول. إما الطريقة الأساسية في اختيار الشاب لعروسه في النوع الثاني، فكانت بواسطة المعاينة المباشرة. أي أن يلتقي الشاب بفتاه في أماكن مختلفة مثل: الحارة إذا كانا يعيشان في حارة واحدة، أو في الحقل الزراعي، حيث يذهب العديد من الناس للعمل في الحقول، إما في حقولهم الخاصة بهم، أو العمل في حقول أخرى. وبالطبع فإن ذلك يكون بأجر. كما أن المناسباًت العامة قد تكون ملائمة لمثل تلك اللقاءات. وذلك مثل حفلات الزواج، وزيارات الأولياء(الموالد)، التي كانت تُقام على امتداد منطقة الدلتا أو خارجها. وعلى وجه الخصوص عند اشتراك الجنسين في الرقصات الشعبية، التي كانت تقام خلال تلك المناسباًت، وبعد استقرار الشاب على قراره باختيار العروسة أو شريكة حياته، يرسل أهل الشاب شخصاً أو أكثر إلى أهل العروس، ليخطبوها لولدهم. وفي حالة قبول الطلب، يتم تحديد تكاليف الزواج، كما هي في الحالة الأولى التي شرحناها سابقاً.
ومن ناحية العلاقة الأسرية بين الشباب والفتاة قبل إكمال عملية الزواج، فإنها تكون على نوعين: الأول قد لا تكون هناك أي علاقة أسرية بين الاثنين، أي أنهما من عائلتين منفصلتين: والثانية أن يكون الاثنان (الشاب والفتاة) من عائلتين ينتميان بقرابة الدم، كأن أن يكونا أولاد عم أو خال أو عمات أو خالات. وقد فقد النوع الثاني حضوره تدريجياً منذ السنوات الأولى لفترة الاستقلال الوطني للجنوب (1967).
وبعد القبول والموافقة من جانب أسرة الفتاة – وذلك في نوعي الأسرتين – يتم تحديد يوم معين لمجيء أسرة العريس ومن يرغبون في مصاحبتهم في هذه المناسبة. فيتم طلب يد الفتاة رسمياً. ويتم الاتفاق نهائياً على تكاليف الزواج. ويُطلق على هذه المناسبة “الخطوبة” أو “الخطبة”. وقد مرت مناسبة الخطوبة بمراحل نذكر أهمها:
ففي المرحلة الأولى، كانت الخطوبة تتم في منزل العروس، حيث يقيم أهل العروس مأدبة غذاء لأهل العريس ومرافقيهم. وكان جزءٌ من ذبائح تلك الوليمة، يقدمها أهل العريس كتقليد متعارف عليه. وفي المرحلة التالية، زادت العملية أن أخذ أهل العروس بإقامة حفلة رقص، احتفاءً بهذه المناسبة. وفي المرحلة الثالثة، فقد رست التقاليد الخاصة بالخطوبة على إقامة وليمة الغذاء (وقت الظهيرة)، على أن تكون محصورة على أفراد الأسرتين. كما حدث توسع في الحفلة التي تقيمها أسرة العروس، عندما صارت في مصاف حفلات الزفاف، وذلك من ناحية توزيع الدعوات الرسمية للمدعوين من النساء، ومشاركة المطربين في إحياء الحفل. وبالطبع فقد كانت العروس تتزين بأحلى ما لديها من حُلي وملابس. ولكن بدون الثوب الأبيض وطرحة الزفاف. وفي هذه المرحلة لم يكن يهتم الكثيرون بجنس المطربين، هل هم من الرجال أو من النساء. وكان ذلك حتى عشية 22 مايو1990م.
أما في المرحلة الحالية، أي ما بعد 22 مايو 1990م، فيمكننا رؤية نوعين من حفلات الخطوبة. الأول يشبه ما شرحناه آنفاً – في المرحلة الثالثة – مع إخفاء المطرب أو المطربين من الرجال، الذين يحيون حفلة الخطوبة وراء ستار. وبعض الناس يفضلون جلب مطربين فاقدين لنعمة البصر. وفي الحالتين فإن الهدف، هو عدم انكشاف النساء الحاضرات ذلك الحفل على المطربين.
أما النوع الآخر، فهي تشبه النوع الأول تماماً، باستثناء أن الفرق التي تحيي حفلة الخطوبة، هي فرق دينية. والمقصود بذلك أن بنية أعضائها هم من النساء، اللاتي يرددن الأناشيد الدينية. كما أن هذه الفرق لا تستخدم الآلات الموسيقية الوترية. وتقتصر فقط على استخدام الطبول الكبيرة والطبول الصغيرة (المراويس)، وطبلات الإيقاع المعروفة. كما جرى استئجار مطربات، تخصصن في إحياء حفلات الخطوبة والزفاف.
وختاماً لموضوع الخطوبة، يمكننا الإشارة إلى أن كلَّ ما انفق عليه من الجانبين (أهل العرس وأهل العروس) – فيما يخص الخطوبة – قد مرَّ هو الآخر بمرحلتين: في الأولى، كان يكتفي بشهادة الشخص أو الأشخاص، الذين قاموا بعملية التوفيق بين الجانبين. وفي المرحلة الثانية(الحالية) يتم كتابة عقد بين الطرفين المذكورين، يسجل فيه كل ما يلتزم بدفعه العريس. كما أن هناك فترة زمنية تفصل بين مناسبتي الخطوبة والزفاف. وقد تكون هذه الفترة قصيرة أو طويلة. وهذا له علاقة بعاملين اثنين: الأول، هي التكلفة الإجمالية التي سيدفعها العريس لإتمام زواجه من عروسه، ودرجة استعداده لتجهيز بيت الزوجية. والعامل الثاني، هو قدرة وإمكانية العريس في تحمل هذه الأعباء المالية مجتمعة. وهما عاملان مرتبطان ببعضهما، مع الأخذ بعين الاعتبار أسبقية الثاني. فكلُّما كانت القدرة والإمكانية متوافرة، كانت الفترة بين الخطوبة والزفاف قصيرة جداً، أو حتى منعدمة. والعكس صحيح.
ثم تأتي مرحلة زفاف العروس إلى بيت الزوجية. وهي الأخرى مرت بمراحل. وهي الأخرى لها حديث ذو شجون، ولا تخلو من طرافة. ومن المهم تحديد إحداثيات كل مرحلة على النحو الآتي. أي أن كل مرحلة قد اشتملت على الخطوات الآتية:
1) التحضيرات الأولية للعُرس(الزواج) عند الطرفين. ومن أهم ذلك شراء لوازم الزواج لكلٍّ من العريس والعروس كلاً على حدة. وتقع ضمن ذلك أيضاً شراء العريس مستلزمات العروس من ملابس وفرش وغيرها، وهي ما تعتبر أشياء ملزمة على العريس. ويتم تجهيز كل الأشياء الخاصة بالعروس في حقيبة كبيرة، ثم تؤخذ هذه الأشياء إلى منزل العروس في موكب من النساء، مصحوبة بالغناء والزغاريد. وعندما يصل الموكب إلى المكان المعني يتم إنزال الأشياء، وتُسلَّم إلى أم العروس، أو من هو أقرب لها من النساء. ثم يعود الموكب من حيث أنطلق، وهو منزل العريس.
– وقد مرتْ عملية نقل الأشياء الخاصة بالعروس بمراحل. ففي فترة انعدام المركبات(السيارات)، أو حتى في فترة شحتها، كانت تنقل الأشياء المذكورة من منزل العريس إلى منزل أهل العريس، إما سيراً على الأقدام، أو خبًّاً(2). وبالطبع يكون ذلك مصحوباً بالغناء والزغاريد. وبالطبع أيضاً، إذا كان المنزلان يقعان في محيط الحارة الواحدة، أو القرية الواحدة. أما إذا كان أحد المنزلين يقع في مكان أبعد من ذلك، فيتم نقل تلك الأشياء على ظهر الجمل.
– أما فيما يخص الحقيبة المذكورة، فقد مرتْ هي الأخرى بمراحل، وذلك من ناحية شكلها ومضمونها. فمن حيث الشكل، فقد كانت تلك الحقيبة – في أربعينيات وبداية خمسينيات القرن الماضي – مصنوعة من الخشب. وكان يُطلق عليها بـ “السحَّارة “. ولا نعرف مصدر هذه الكلمة. وفي مرحلة لاحقة صارت تلك الحقيبة مصنوعة من الحديد. ثم صارت مصنوعة من الجلد، أو البلاستيك، أو مواد أخرى أكثر تطوراً ومتانة. وفي المراحل الأولى من هذه العملية، كان يُطلق على مجموع تلك الأشياء التي تخص العروس بـ “الزنبيل “. ولم نجد لهذه الكلمة أي معنى أو مصدر.
أما من ناحية المضمون – أي ما تحتوي عليه _ فإن تلك الحقيبة، التي كانت محدودة وفقيرة من ناحية محتوياتها في الفترة السابقة، بسبب اقتصارها على ملابس العروس وأشياء أخرى بسيطة، صارت ثرية في محتوياتها ومتعددة في أصنافها. علماً أن هذه الأشياء يعاد شحنها مرة أخرى إلى منزل الزوجية، وبالطبع مع أشياء أخرى إضافية، تحصل عليها العروس من أهلها، وكهدايا من أقاربها وصديقاتها.
2) ومن الأعمال الداخلة ضمن عملية التحضيرات للزفاف، إعداد وتجهيز العروس. ويتضمن ذلك مجموعة من الخطوات، أهمها الإعداد النفسي للعروس، ثم تزيينها وتجهيزها، وإقامة حفلة الزواج في إطار منزل أهل العروس. أي إقامة “المخدرة، التي تقام فيها أفراح العروس.
– والمقصود بالإعداد النفسي للعروس، هو تهيئة العروس للواقع الجديد، الذي ينتظرها بعد انتقالها من منزل أهلها إلى منزل الزوجية، وبالذات ما يخص الليلة الأولى، التي يتقابل بها العروسان لأول مرة. أي دخول العريس(الزوج) بعروسه(الزوجة)، وذلك بافتراض انعدام أي احتكاك مسبق بين الطرفين حتى ليلة زفافهما. وهذا له علاقة بالتقاليد والأخلاقيات المتبعة في المحيط الذي يعيشان فيه، وما يتبع ذلك أساساً بحفاظ الفتاة لبكارتها حتى تلك الليلة المنشودة، ونعني بها ليلة الزفاف.
وعلى أساس هذه الأجواء ذات العلاقة ببدء مراسيم الزواج، والتهيئة النفسية للعروس لما هي سائرة إليه، تبدأ تلك المراسيم بيوم “المحجبة”. وهو حجب العروس عن الآخرين، إلا من عددٍ محدودٍ مقصور على أهلها، ولقليل من أقاربها. وتتمثل هذه العملية، بمباغتة الفتاة(العروس) من جانب عدد من النساء، وتغطيتها – أي العروس – بملاية، أو طراحة، أو شرشف. وكلها تسميات لشيء واحد. ويكون ذلك بمصاحبة التصفيق والزغاريد، وإيقاع الطبل – إذا كان متوافراً في تلك اللحظة – ومن ثم خَدْرها في مكان معين من منزل أهلها. أي ستر العروس بحجبها عن الآخرين. وتظل في ذلك الخدر ابتداء من تلك اللحظة حتى يوم زفافها. وفي سابق عهدنا، كانت هذه الحالة تستغرق من ثلاثة أيام إلى الأسبوع. وبالطبع مع استمرار الاحتفاء بمناسبة الزواج، من خلال إقامة الرقصات الخاصة بالنساء. ويُطلق على هذه العملية بـ”المحجبة”. والمعنى المقصود من ذلك واضح، وهو حجب العروس عن الناس.
– وفي فترة حجب(خدر) العروس، كانت العروس لا تبارح خدرها إلا لقضاء حاجتها، وما عدا ذلك فإنها تتناول طعامها وتنام في خدرها. وكان من مبررات خدر العروس خلال الفترة التي ذكرناها، هو حتى تبدو أكثر بهاءً ونظارة. وحقيقة الأمر إن الكثير من الفتيات العرائس، كنَّ يظهرن بتلك الصورة التي كان أهاليهم يحبذونها، أي النحافة مع الميل نحو الاصفرار. إلا أن الناس وقتئذ، لا يعرفون حقيقة ذلك المظهر الذي تكون عليه العروس. وهذا له علاقة بأميتهم ودرجة وعيهم المتدني. أما حقيقة الأمر، فإن تلك الحالة تعود إلى عدة أسباب: أولها الحالة النفسية المتولدة عند العروس. وهي حالة قريبة جداً من الخوف والرهبة من الآتي. إن لم يكن هو الخوف بذاته. وثانيهما، هو أن حالة الخوف عند العروس، تؤدي من الناحية الصحية إلى نقصان شهيتها للطعام، أو فقدانها تماماً. وثالثهما، إن عملية وضع العروس في الخدر لفترة تصل إلى أسبوع، بما يعني عدم تعرضها للشمس، لهو كفيل أن يؤدي إلى ميل جسمها إلى الاصفرار. وتبدو العملية أكثر وضوحاً، إذا علمنا أنه يجري دعك جسد العروس، طيلة مكوثها في الخدر بمادة نباتية صفراء تسمى “الهَّرُد”(الكركم). وهي من أدوات التجميل المستخدمة في تلك الفترة. أما حالياً فإن هذه المرحلة أو المحجبة (خدر العروس)، قد جرى اختصارها إلى يوم واحد فقط. وهو اليوم الذي يسبق يوم الزفاف. ويُطلق عليه “يوم الغَسْل”. وقد استغنى الناس حالياً عن تلك الإجراءات التي ذكرناها سابقاً.
وفي اليوم الذي يسبق يوم زفاف العروس، يجري تجهيزها من ناحية تزيينها. وكانت هذه العملية – في فترة ما قبل ستينيات القرن الماضي – مقصورة على تسريح وتصفيف شعرها، باستخدام مجموعة من المواد ذات منشأ نباتي، وذات رائحة عطرية. وكان يجري سحقها وخلطها، وتحويلها إلى معجون يُطلى به شعر العروس، يطلق عليه ب”الطيب” بكسر الراء وسكون الياء. كما يتم تسويد يدي وقدمي العروس بالخضاب برسوم مختلفة على قدمي ويدي العروس. وتتولى نساء متخصصات تزيين العرائس. وفي فترة لاحقة، تم الاستعاضة عن الخضاب الأسود بالحناء الجاهز.

*المفردات:
(1) المقصود بالأسر المحافظة، هي تلك التي لا تظهر نساءها على الغرباء، ولا يخرجن من منازلهن إلا نادرا، ومحجبات. أما الأسر غير المحافظة، فهي التي تتصرف عكس الحالة الأولى، بسبب ظروفهم كمجتمع فلاحي.
(2) الخب:هو السير بإيقاع متوسط بين المشي العادي والسريع. وهو على إيقاع أغنية الفنان الكبير أبي بكر بن الفقيه ” تسلى با قليبي”.
(والموضوع بقية)

24 رمضان 1445.
الموافق 3 إبريل 2024

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى