موسم أسماك ( العَيد ) .. من الوفرة إلى النُّدرة ..!!

أبين ميديا
كتب ـ أحمد باحمادي..

في مثل هذا الوقت من السنة كان الصيادون ينصبون شباكهم ولا ينتظرون إلا قليلاً لتعود شباكهم ملأى بخير كثير وصيد وفير ..

ترى حينها أسماك ( العَيد ) تتقافز داخل الشباك وقد انعكس ضوء النهار على لونها الفضي اللامع وهو منظر ساحر بقدر ما هو لذيذ في نفس الوقت ..!!

يحكي آباؤنا وإلى زمن قريب أن بعض الناس كانوا يتلقّون الصيادين قبالة الساحل وهم آتون بصيدهم من ( العَيد ) .. ولأن الموسم يبلغ حينئذ ذروته .. فقد كانوا يعطون أولئك الناس عطاء من لا يخشى الفقر ..
فكانوا يهدونهم ( العَيد ) مجاناً ( يا بلاش ) ..!!

يعمد الصيادون لطرح ( العَيد ) في أحواض معدّة لذلك ليتم نقلها إلى الأسواق لتباع للناس بأرخص الأثمان .. فإذا كثر العرض من ( العَيد ) في الأسواق سمعت عن مصطلح قد انقرض في وقتنا الحاضر ولم نعدْ نسمع به وهو مصطلح ( بالغَرفة ) .. حيث لا تحسب كمية ( العَيد ) عدداً .. بل يكون المقياس بالاغتراف بالأيدي ..!!

ولمّا كانت الأنفس وقتئذٍ تطفح بالعطاء والكرم .. فقد حلّت عليهم بركة الله وشملتهم شآبيبها نظراً لما كان يسود بينهم من التراحم والمودة .. فكان الصياد والبائع لا يطمع في ربح كثير ولا تتصف نفسه بالجشع والطمع ..!!

ما يحدث اليوم هو النقيض تماماً لما ذكرناه سابقاً .. غلاء فاحش في ثمن ( العَيد ) حتى في أوج موسمها .. وتمادى البائعون في جشعهم وطمعهم حتى بلغ ثمن حبة ( العَيد ) إلى ما يقرب من الـ ( 250 ) ريالاً أو يزيد وقد وصل سعر الكيلو إلى ( 2000 ) ريال ..

ومن طريف ما قرأت لأحد رواد التواصل الاجتماعي وقد كتب تعليقاً حول هذا الموضوع خلاصته أنه ذهب في هذا الوقت من الموسم إلى أحد المطاعم يطلب شيئاً من ( العَيد ) المدهور.

فقيل له أن ثمن ( المشك ) منها يبلغ ( 3 ) آلاف ريال .. !! .. علماً أن ( المشك ) يحتوي على ( 10 ) حبات من ( العَيد ) .. ما يعني أن الحبة تساوي ( 300 ) ريال .. ما يعني أيضاً أن حبة ( العَيد ) قد وصل سعرها إلى ما يساوي ريالاً سعودياً في زمننا هذا ..!!

نعلم أن خيراتنا من البحر تُنهب وتُسرق من دول أخرى وثرواتنا مستباحة من الأجنبي .. لكن لم يتخيل أحدٌ أن يصل الأمر حتى إلى ( العَيد ) التي كان الناس ينتظرون موسمها على نار الشوق واللهفة ..

ليعوضوا حرمانهم من السمك الذي لم يقدر على شرائه كثير من فئات المجتمع نتيجة للأوضاع المعيشية المتدهورة وتدني المرتبات التي لا تكفي حتى لأساسيات المعيشة.

ترى بعض التعابى المساكين يمشون في الأسواق مستخفين يضعون أيديهم فى جيوبهم وهم ينظرون إلى السمك المفروش على موائد البيع ولا يقدرون حتى على الاقتراب منه ناهيك عن شرائه ..!!

كان للفراعنة عناية بحفظ الأسماك، وتجفيفها وتمليحها وصناعة ما يسمونه بـ ( الفسيخ ) وما يسمى عندنا ( المالح ) .. كما ذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت – فقال عنهم : « إنهم كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم، ويرون أن أكله مفيد في وقت معين من السنة .. وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد، أطلقوا عليه اسم (بور)، وما زال يطلق عليه حتى الآن، فهو في العامية المصرية (بوري).

وتعليقاً على المعلومة آنفة الذكر فإنه حتى ( المالح ) قد غاب عن الناس في هذا الوقت ولو وُجد فلا ندري كم سيكون سعره .. !! .. في حين كان المالح والوزيف المستخدم لسماد الأرض فيما سبق يتوفر بأرخص الأسعار.

تسبح الأسماك في بحر الماء، غادية ورائحة، صاعدة وهابطة وهي لا تدري أن قوماً قد نظروا إليها نظر الذهب الثمين .. وتاقت إليها نفوسهم توقها إلى الغالي المحبوب ..

فسبحان الخلاق العليم، الذي خلق البحار، وخلق ما فيها من الأسماك والمخلوقات ما لا يعيش إلا فيه .. ولو خرج منها لمات كما يموت الكثير من بني الإنسان جوعاً وقهراً وظلماً وجوراً جرّاء ظلم الإنسان للإنسان.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى