كيف أصبحت دول المغرب العربي الملاذ الحقيقي لأوروبا في أزمات الطاقة؟

أبين ميديا/متابعات/وائل زكير

 

في خضم أسوأ أزمة طاقة تشهدها أوروبا منذ عقود، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتقلّص إمدادات الغاز الروسي، برزت دول المغرب العربي كجهات فاعلة، بل ومنقذة في لحظات حرجة. بينما كانت العواصم الأوروبية تعيد رسم خريطة الطاقة وتبحث عن بدائل سريعة، كانت دول مثل المغرب والجزائر وتونس توفّر الدعم، كلٌ بحسب قدراته، لتفادي الأسوأ.

شهدت نهاية أبريل الماضي انقطاعًا واسع النطاق في التيار الكهربائي بكل من إسبانيا والبرتغال، وُصف بأنه الأسوأ في تاريخ البلدين، مما عطّل شبكات الاتصالات والقطارات وحتى المطارات لساعات. كما ضربت أزمة مماثلة أجزاء واسعة من جمهورية التشيك مؤخرًا، ما أثار تساؤلات حادة حول مدى مرونة أنظمة الكهرباء في القارة.

فجوة تمويلية ضخمة تهدد مستقبل الطاقة

بحسب تقرير صدر حديثًا عن مجموعة بوسطن الاستشارية، تواجه أوروبا فجوة تمويلية تُقدّر بـ250 مليار يورو في خططها الرامية إلى تحديث وتوسيع شبكات الكهرباء خلال السنوات الخمس المقبلة. التقرير أشار إلى أن مشغّلي أنظمة نقل الكهرباء في القارة سيحتاجون إلى استثمارات رأسمالية تصل إلى 345 مليار يورو بحلول عام 2029، أي نحو ثلاثة أضعاف حجم الاستثمارات السابقة.

وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع التدفقات النقدية التشغيلية لأكبر 15 شركة أوروبية مشغّلة للشبكات إلى 120 مليار يورو فقط في الفترة بين 2025 و2029، مقارنة بـ57 مليار يورو في الفترة من 2020 إلى 2024. وبعد احتساب توزيعات الأرباح المقدّرة بين 25 و30 مليار يورو، تبقى فجوة هائلة لا يمكن سدّها إلا عبر استدانة جديدة، أو إصدار أسهم، أو حتى بيع أصول وتقليص التوزيعات للمستثمرين.

المغرب العربي في قلب المشهد الطاقي الأوروبي

وسط هذا المشهد المتأزم، لعبت دول المغرب العربي دورًا لافتًا، خاصة المغرب الذي تدخّل في اللحظة الحرجة خلال أزمة الكهرباء الأخيرة في إسبانيا. فبفضل الربط الكهربائي عبر مضيق جبل طارق، ضخّ المغرب ما يصل إلى 38% من قدرته الإنتاجية الكهربائية لمساعدة الشبكة الإسبانية على استعادة توازنها خلال ساعات.

أما الجزائر، فقد ساهمت في التخفيف من أزمة الغاز الأوروبية عبر زيادة صادراتها إلى دول مثل إيطاليا وإسبانيا، متيحة بديلًا مهمًا بعد تراجع الإمدادات الروسية. وتعمل تونس بدورها على تعزيز شراكاتها في مجالات الطاقة المتجددة، بما في ذلك مشاريع رائدة في الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.

مع استمرار الضغط المالي والبنية التحتية المتقادمة في أوروبا، تزداد أهمية الشراكات مع دول الجنوب – وتحديدًا دول المغرب العربي – كجزء من الحلول المستدامة. فهذه الدول لا توفر فقط مصادر بديلة للطاقة، بل تتمتع بموقع جغرافي مثالي، وإمكانيات متنامية في الطاقة المتجددة، واستعداد واضح للاندماج في السوق الأوروبية.

الجزائر: رئة الغاز لأوروبا

الجزائر، بثروتها الضخمة من الغاز الطبيعي، تحوّلت إلى شريك استراتيجي للقارة العجوز، حيث أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات” أن دول الاتحاد الأوروبي استوردت منتجات طاقة بقيمة حوالي 95.3 مليار يورو خلال الربع الأول من عام 2025، بحجم إجمالي بلغ 176.4 مليون طن. وقد تصدرت الجزائر قائمة أكبر شركاء التكتل الأوروبي في مجال الطاقة، وفقا لـ”سي إن إن”.

كما زادت الجزائر بشكل لافت صادراتها من الغاز إلى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، وأصبحت ثالث أكبر مزود للغاز لأوروبا بعد النرويج وقطر ، كما يعد أنبوب الغاز “ترانسميد” الذي يربط الجزائر بإيطاليا بات بمثابة شريان إنقاذ.

وقعت الجزائر اتفاقيات ضخمة مع شركات أوروبية مثل “إيني” الإيطالية، وقدّمت أسعارًا تنافسية واستقرارًا في الإمداد وسط سوق مضطربة.

المغرب ينقذ أوروبا

رغم محدودية موارده من الغاز، لعب المغرب دورًا محوريًا في دعم الشبكة الكهربائية الأوروبية ، حيث يربطه خط كهربائي مباشر مع إسبانيا، يُمكّن من تصدير فائض الطاقة المتجددة.

لعب المغرب دورًا حاسمًا في إنقاذ شبكة الكهرباء الإسبانية خلال الأزمة الأخيرة، التي شهدت انقطاعًا واسعًا في التيار الكهربائي طال إسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا. تسبب الانقطاع في شلل مؤقت لشبكات الاتصال والإنترنت، وتوقف حركة القطارات والطيران في مناطق عديدة، قبل أن يُعاد التيار تدريجيًا بعد ساعات.

ووفقًا لصحيفة إلباييس الإسبانية، فقد خصّص المغرب ما يقارب 38% من قدرته الإنتاجية، لضخ الكهرباء نحو إسبانيا أثناء انقطاع الكهرباء في أبريل 2025،، مساهمًا بذلك بشكل مباشر في إعادة تشغيل شبكة الإمدادات المتضررة.

وجاء هذا الدعم العاجل من خلال تفعيل الربط الكهربائي بين البلدين عبر مضيق جبل طارق، بناءً على طلب شركة الكهرباء الإسبانية، حيث استجابت الشركة الوطنية للكهرباء المغربية على الفور، ما عكس متانة التعاون الطاقي بين المغرب وأوروبا في أوقات الأزمات.

ويربط المغرب بإسبانيا شبكة كهربائية تحت البحر منذ عام 1997 بإجمالي سعة 1,400 ميغاواط، منها 900 ميغاواط مخصصة لتصدير الكهرباء من المغرب إلى إسبانيا، و600 ميغاواط في الاتجاه المعاكس .

كما يجري تنفيذ مشاريع لتعزيز الربط الكهربائي، من بينها بناء خط ثالث بطول 100 كم وبقدرة 600 ميغاواط، ومشروع الربط المحتمل مع البرتغال لتعزيز الأمن الطاقي والمنظومة الخضراء .

وصدّر المغرب في عام 2021 نحو 851 غيغاواط/ساعة من الكهرباء نحو أوروبا، وكان معظمها إلى إسبانيا، ما مكن من تحقيق مداخيل بلغت حوالي 565 مليون درهم (حوالي 61 مليون دولار)، كما تتجه حوالي 76% من صادرات المغرب من الكهرباء نحو إسبانيا.

بالإضافة إلى ذلك، تبنى المغرب مشاريع ضخمة للطاقة الخضراء بما في ذلك إنشاء مصانع للهيدروجين الأخضر بطاقة 52% من المخطط بحلول 2030، بدعم من شركات أوروبية كبرى .

تونس

شاركت تونس في خطط ربط الطاقة مع أوروبا عبر مشروع “ELMED” مع إيطاليا، وتسعى لتطوير طاقاتها الشمسية والريحية، رغم تحديات داخلية في البنية التحتية والطاقة.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى