مظلومٌ يَصنعُ الظالم

كتب م / عبدالغني سالم الحنشي

ارجعوا للوراء قليلاً كي تمرّ من أمامكم عربات الملك.. فترجعون !
ثم يتوقف الملك ليتقدّم إليه أفصحكم لساناً فيقول:
مولانا الملك المُعظّم.. صاحب المقام الأكرم.. يا سلطان الزمان وصاحب الهيلمان والجاهة والمكان.
فتصفقون بحرارة !
وتراقبون ملامح الملك وتعابير وجههِ، هل أبدى فرحاً وسروراً ؟

كنّا كذلك .. عند مرور موكبهِ المهيب في المدائن نقف صفوفاً على الرصيف نحييه ونهتف بالروح بالدم.
وفي اخبار المساء نشاهد مرور موكبه دون ملل مع تلك الموسيقى كأننا نشاهد فيلماً سينمائياً ممتعاً لأحد أبطال هوليوود .

بهذا الزخم نعطي السيف مع باقة ورد لقاتلنا .
ونعطي الجلاد سوطاً صناعة محلية بجودة ممتازة جداً.

وهكذا يُصنَع الطغاة على مرّ التاريخ..
النمرود وفرعون آلهةً، فمن صنعهم؟
هل كانت فكرة تحشيش آخر الليل ؟ أم أنهم وجدوا ” التقديّس” من العامة فأعلنوا الألوهية ؟

وفي عصرنا وجدنا من يقول آية الله، فخامة الرئيس المشير الزعيم، قائد المسيرة ولي الله سيدي ومولاي ..
حتى البسطاء مثل سعادة السفير، معالي الوزير.
وهناك أصحاب الحاجة المتملّقون من يقولون أن هذه النعوت لإبداء الاحترام والتقدير . وهؤلا عيّنةٌ من عمال مصنع السوط !

كان الصحابة يقولون ” يا رسول الله ” عند حديثهم معه وهي الصفة الوظيفية لهُ في الدنيا.
وكانوا يقولون للخليفة من بعده ” يا أمير المؤمنين” .
وكان العدل حينها في غاية العطاء، حتى برزت موضة التقديس المبالغ فيه للشخصيات من جديد، فلا يذكرون صاحب سُلطةٍ إلا وسبقوا اسمهُ بوابلٍ من الصفات التي تبعث في نفسهِ الكبرة والغرور والحاكميّة والمنعه.

والآن لنستمتع جميعاً بأنغام السياط على ظهورنا.
لنغني للظلم جميعاً بصوتٍ واحد.. لا داعي للخجل . ” نموت نموت ويحيى السرق “.

عندما تذهب لمبنى المحافظة لمقابلة المحافظ في أمرٍ هام وأنت شخصٌ لا يعرفكَ إلا جيرانك البؤساء مثلك، ويمنعك الحرّاس من الدخول ..لا تخجل من الغناء !

عندما يبسط نافذٌ في الدولة على أرضك ولا يمكنك التصدي له .. غنّي وأطربنا بألحانك !

عندما تجد الحكومة تعبث بالأموال العامة، وأسرتك يفتك بها الجوع والمرض والديون ولم تستلم بعد مرتّبك الحقير ..لا تحزن بل ابكي فرحاً وغنّي بأعلى صوت وإشجينا بموالك !

عندما تريد إجراء عملية ولا تجد الكادر الجراحي في بلدك لاجراء العملية ولا تملك مالاً للعلاج في الخارج وتذهب بأوراقك لمقابلة الوزير الذي يعيش في فندق سبعة نجوم ويكرر رحلة ابن بطوطه حول فنادق العالم.
حتى السكرتيره ” الفرفوشة ” التي في فمها أحمر الشفاه الفاقع وعلكة دلع لن تقابل وجهك الفقير، أو ربما ستعطيك خبراً بعدم وجود أميرها، أو ربما ترثى لمشوارك الطويل فتأخذ الملف منك وبإبتسامتها الساحرة تقول لك : سأدخله عند عودته وسنتصل بك عند التوقيع عليها، وفور خروجك ستضع الملف في سلة المهملات .
ثم تمضي الشهور فنصلي عليك ونحمل جنازتك.. وغنّي للأموات في قبرك !

وأنت أيها الشاب الأكاديمي الطموح، عندما تجد ابناء المسائيل على الكراسي المريحة وفي الإدارات الدسمة، وتجد نفسك بائعاً متجوّلاً أو تنادي وتجذب قمصان الموالعه في السوق ليشتروا من قاتك .. غنّي فكم من شابٍ سيعشق الإستماع إليك في الليالي البائسة !

لنبتعد عن السخرية قليلاً.
هل يمكننا ترك الفرحة والغناء والتطبيل ؟

يمكننا البكاء عندما ننزعهم الصفات ونعطيهم المُسمّى كخطوة أولى. عندها سيعرف الوزير أنه مجرد ” وزير ” لا تكسوه القداسة، فيرسم لنفسهِ خطوطاً حمراء سيخاف حقاً من تجاوزها .
وسيعرف المسؤول أنهُ ” مسؤول ” فيخاف الجلوس على طاولة المسائلة .

نعم لهم جيشٌ لحمايتهم.. ولكن أيضاً؛ الشعبُ جيشٌ يحمي نفسه.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى