كيف يمكن تحصين العالم ضد وباء الاحتيال في المدفوعات؟
أبين ميديا /متابعات /باتريك جنكينز
عندما تلقى جيسون، وهو مدير تنفيذي شاب في شركة لتنظيم الفعاليات في هونغ كونغ، رسالة عبر تطبيق واتساب من زميلته جانيت تطلب منه فيها تحويل مبلغ 5000 دولار هونغ كونغ (641 دولاراً أمريكياً) لتغطية تكلفة معدات لفعالية قادمة، لم يتردد في الاستجابة. وبعد مراجعة تفاصيل المعدات المطلوبة، سارع جيسون إلى تسجيل الدخول إلى حسابه المصرفي وأجرى التحويل.
لكن جيسون تعرض هنا للخداع، على غرار ملايين الأشخاص حول العالم، فقد تم اختراق حساب جانيت على تطبيق واتساب بعد أن نقرت على رسالة احتيال بشأن التحقق من الهوية، وبذلك تمكن محتال من انتحال صفتها.
ووفقاً للخبراء، تكلف عمليات الاحتيال الخاصة بالدفع عبر الإنترنت مليارات الدولارات سنوياً على مستوى العالم، ويُعزى الكثير منها إلى جماعات الجريمة المنظمة الدولية، حيث تنفذ أغلبها عبر رسائل واتساب وإعلانات فيسبوك والرسائل النصية وغيرها من الوسائط الرقمية.
وتعد المملكة المتحدة بؤرة عالمية لهذه الظاهرة، لذلك، سيتم تطبيق لوائح جديدة من هيئة تنظيم أنظمة الدفع الشهر المقبل، والتي تلزم البنوك بتعويض العملاء الذين تعرضوا للاحتيال في مواقف مختلفة، وهي ممارسة تقوم بها أكبر البنوك بموجب خطة طوعية.
ووفقاً لمجموعة الضغط المصرفية «يو كيه فاينانس»، من بين 1.2 مليار إسترليني تم سرقتها في المملكة المتحدة العام الماضي عبر 3 ملايين عملية احتيال، كان ما يقرب 40% مرتبطة بعمليات احتيال «الدفع المباشر المصرح به».
ويرحب بعض المصرفيين باللوائح الجديدة، حيث ستفرض خصماً جديداً بقيمة 100 جنيه إسترليني يتعين على الضحية دفعه، وهذا سيكون بمثابة حافز إضافي ليكونوا أكثر حذراً؛ وستوزع المسؤولية بين عدد أكبر من المؤسسات المالية مقارنة بتلك التي انضمت إلى القواعد الطوعية. كما تم خفض الحد الأقصى للمبلغ الخاضع للتغطية.
ومن المثير للصدمة أن الشرطة تخصص موارد محدودة لمكافحة عمليات الاحتيال. فقد ذكرت وزارة الداخلية البريطانية أن الاحتيال الآن يحتل المرتبة الأولى بين فئات الجرائم في انجلترا وويلز، حيث يمثل 41% من إجمالي الجرائم.
ومع ذلك، يتم تكليف 1% فقط من قوة الشرطة للتعامل مع قضايا الاحتيال. ومن عجيب المفارقات أن القطاع المصرفي يوفر قدراً كبيراً من التمويل المخصص لعمليات الشرطة المحدودة. والجهود المبذولة لمواجهة شبكات الجريمة الدولية غير كافية، لأن السرقات الفردية محدودة النطاق عموماً، ما يبقيها بعيدة عن الرادار لإجراء تحقيق أو التعاون العابر للحدود.
في الوقت نفسه، تعد المملكة المتحدة استثناءً سواء من حيث حجم المشكلة أو الدور الذي تلعبه البنوك في تعويض الضحايا. ويظهر تقرير صادر عن مؤسسة سوشال ماركت فاونديشن لصالح بنك سانتاندير البريطاني، ومن المقرر نشره خلال الشهر الجاري، أن ضحايا عمليات الاحتيال في بريطانيا لديهم ضعف فرصة تلقي التعويض الكامل من بنوكهم مقارنة بالدول الأخرى. ومن بين 28 ألف شخص شملهم الاستطلاع، تلقى ثلثا البريطانيين تعويضاً جزئياً أو كاملاً، وهو أعلى معدل بين الدول الـ15 التي شملها الاستطلاع. (تبلغ نسبة التعويض في الولايات المتحدة 53%، واليابان 31% وألمانيا 28%).
ويعود انتشار معدل جرائم الاحتيال في المملكة المتحدة إلى مجموعة من الأسباب من أبرزها: نظام المدفوعات السريعة التي تسهل التحويلات البنكية الفورية، والتواصل الرقمي واسع الانتشار، واحتمالية تحدث المحتالين الدوليين الإنجليزية بشكل أفضل من البرتغالية على سبيل المثال.
ويمكن أن تعزى سهولة الحصول على تعويض نسبياً إلى ثقافة حماية المستهلك الراسخة في بريطانيا، والخطوات العملية التي اتخذتها البنوك، التي تسعى لإعادة بناء الثقة بعد الأزمة المالية والفضائح المتعلقة بالبيع المضلل.
في المقابل، لا يتم محاسبة الوسطاء الآخرين المتورطين في عمليات الاحتيال. وتتملص شركات الاتصالات وقطاع التكنولوجيا من مسؤولية تعويض الضحايا. ووقعت مجموعة الضغط «تيك يو كيه» على «ميثاق الاحتيال» الجديد، لكنها تصر على أن تحملها جزءاً من تكاليف التعويض لن «يكون مناسباً وغير فعال».
ومع تسارع نمو الرقمنة والمدفوعات الفورية، إلى جانب الذكاء الاصطناعي الذي يوفر أداة إضافية للمحتالين، من المرجح أن ترتفع عمليات الاحتيال عبر الإنترنت ومطالب المستهلكين بالتعويض من الآن فصاعداً. ويتعين على صناع السياسات وجميع الأطراف المرتبطة بعمليات الاحتيال التعاون معاً لاتخاذ تدابير وقائية، ويجب على الشركة تخصيص موارد ضخمة لمكافحة تفشي هذه الجرائم.
ولكن يجب على الأفراد أيضاً تحمل المسؤولية، من خلال معرفة المخاطر وكيفية تجنبها، والإبلاغ عن عمليات الاحتيال، وتكبد جزء من الخسائر على الأقل إذا كانوا مسؤولين عنها.
لقد تعلم جيسون بالتأكيد درساً قاسياً ومكلفاً، فبعد محاولته الفاشلة لاستعادة الأموال من البنك والإبلاغ عن الجريمة للشرطة، عاهد نفسه بأنه سيكون أكثر حذراً في المستقبل.