القطيع

كتب / محمد ناصر العولقي

تذكر المرويات العربية أن عبدالرحمن بن شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت كان في نفسه شيء من يزيد بن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان فأخذ يكثر من التشبيب ( التغزل ) بأخته رملة بنت معاوية ، فغضب يزيد غضبا شديدا وأراد الانتقام منه وحرض أباه معاوية ليجز رأسه ، ويجعله عبرة لغيره ولكن معاوية الشهير بالحلم والذكاء لم يستجب له ورأى أن ذلك سيشيع الأمر أكثر ويؤكد ما كان ينسجه الشاعر من حكايات عن رملة بنت معاوية وسيخلق قتل الشاعر نقمة عند الناس ضده غير أن معاوية أخبر ابنه يزيد المشتعل غضبا وهياجا بأن يتنحى جانبا ويتركه ليتصرف في الأمر …
قام معاوية بدعوة عبدالرحمن بن حسان ليفد إليه من المدينة الى دمشق مقر الخلافة الأموية ولما جاء عبدالرحمن بن حسان ودخل على معاوية دعاه للجلوس بجانبه وقضى له حوائجه ثم قال له قبل أن ينصرف : يا عبدالرحمن إن ابنتي هند عاتبة عليك لأنك تشبب بأختها رملة وتتجاهلها وهي أجمل من أختها رملة !!!
فقال عبدالرحمن : لها العتبى ، وخرج من عنده وراح بتغزل ويشبب بهند بنت معاويه ويذكرها في شعره فلما سمع الناس تشبيبه بهند انصرفوا عنه وعرفوا أنه يكذب وسقط شعره وتشبيبه برملة لأن معاوية ليس له بنت اسمها هند بل ليس له إلا بنتا واحدة هي رملة ….. ، فاستطاع معاوية أن يقتل كلام عبدالرحمن بن حسان بكلام عبدالرحمن بن حسان نفسه وكسب تعاطف الناس معه بدلا من نقمتهم عليه إذا جارى غضب ابنه يزيد وجز رأس الشاعر .
طبعا هذا كان حينما كانت الناس ذات بصيرة ، وكان المتلقي يشغل عقله ويميز الصدق من الكذب أما اليوم فما أسرع الناس الى تصديق الإشاعة والافتتان بها وتكذيب الحقيقة أو على الأقل تجاهلها ، وستجدهم في وسائل الاتصال الاجتماعي مطوبرين خلف من يتلاعب بأدمغتهم وينشر لهم اليوم خبرا ومعلومة وموقفا يناقض ما نشره بالأمس وهم ينقلون عنه ويرددون بعده ويعجبون في نباهته ويسيرون خلفه كالقطيع بلا وعي ولا تمييز .

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى