الجمع بين الفنتازيا والواقعية في قصة ” صداقة” القاص سالم فرتوت.

بقلم: د/ سعودي علي عبيد
__________
من خلال التمعن والتفحص في قصة القاص سالم فرتوت، الموسومة ب”صداقة”، نلاحظ فيها حالة المناجاة والمناغاة التي ابتكرها القاص بين “بطل القصة” و”القمر” الذي نعرفه جميعا.
وقصة ” صداقة” هي قصة تلك العلاقة التي رسمها القاص سالم فرتوت ، أي العلاقة بين ” بطل القصة” و” القمر” التي لن تستمر طويلا، وذلك بحكم قوانين الطبيعة والحياة.
وقصة” صداقة” هي القصة التي قاس بها القاص ” عمرين” وهما: عمر بطل القصة، وعمر “القمر” اللذين سيفترقان يوما ما حتما، وذلك نتيجة وفاة ” بطل القصة”.
وكما نعلم أن ” القمر” يولد هلالا، ثم ينمو ويكبر شيئا فشيئا ليصير كاملا. ثم نراه يصغر تدريجيا ليعود هلالا ليتلاشى نهائيا، إلا أن هذا التلاشي ليس سوى ظاهريا، وذلك بسبب دوران القمر حول الأرض لكي يولد من جديد، وذلك لأن منطق الحياة بالنسبة للقمر يقول ذلك. أما ” بطل القصة” فإن خط سير حياته هو الولادة والنمو والكبر ثم التلاشي نهائيا وبدون رجعة. أي الفناء والانتهاء بدون رجعة، وذلك لأن منطق الحياة بالنسبة للإنسان يقول ذلك.
وقصة ” صداقة” هي قصة “عمرين”: الأول هو عمر بطل القصة، وهو قصير، وله بداية ونهاية معروفتين، ويقاس هذا العمر بالسنوات. والعمر الآخر هو عمر القمر. وهو عمر لامتناهي، وغير محدد. كما أنه غير معروف من ناحية بدايته، وكذلك من ناحية فناه أو نهايته.
وفي قصة “صداقة” أستطاع القاص سالم فرتوت أن يجمع بين الفنتازيا والواقعية.
* الفنتازيا: عندما جعل ” بطل القصة” يقوم بمناجاة ومناغاة القمر، ذلك الشيء الذي لا يربطه أي رابط ببطل القصة، أو بالأصح الذي لا يربطه بالإنسان سوى تلك الحالة الشاعرية، أو التماهي عندما يتذكر العاشق أو المحب أو الولهان حبيبته أو معشوقته، فيساوي بين جمالها من ناحية، ونور وضياء وسطوع القمر من ناحية أخرى.
* أما الواقعية: فهي قدرة القاص سالم فرتوت ، عندما ذكرنا أن لكل من ” بطل القصة” و” القمر” عمر يقاس بالزمن، أو ببداية ونهاية، وان كان بداية ونهاية عمر القمر متكررا، ناهيك أنه غير معروف لنا.
وإذا تساءلنا كيف بلور القاص سالم فرتوت عملية الجمع بين الفنتازيا والواقعية في سياق هذه القصة الرائعة التي بين أيدينا، فإن الإجابة تحيلنا إلى ما سطره القاص في نهاية قصته عندما قال بطل القصة بحسرة وأسى: ” إيه ليتني كنت مثله، لا أغادره البتة..فكم يرعبني مجرد التفكير في مفارقته لحظة، فما بالك كلما داهمتني حقيقة أني قد أغيب عنه إلى الأبد”.
وقد استخدم القاص سالم فرتوت عند سرده لهذه القصة، أسلوب حكيها من خلال ” بطل القصة”، الذي هو كاتب القصة ذاته.
وبغض النظر عن حالة الادغام الموجودة بين ” الراوي” أو كاتب القصة من جهة و” بطل القصة” من جهة أخرى، إلا أن الفكرة الأساسية التي أراد القاص سالم فرتوت أن يبرزها لنا من خلال قصته ” صداقة”, هي: أن كل إنسان تربطه صداقة مع ” القمر”، وهو يحرص على مناجاة ومناغاة هذا الشيء الذي يبدو لنا بهيا وجميلا ومنيرا كجمال وبهاء ونور معشوقته أو حبيبته”. وهذه هي العلاقة المعروفة والمشهورة في التاريخ الإنساني التي تشكلت بين الإنسان والقمر. أما العلاقة التي اكتشفها القاص سالم فرتوت بين الإنسان والقمر، فهي علاقة جديدة ومبتكرة، جمع فيها بين الفنتازيا والواقعية في مستوى عال من الابداع.

د/ سعودي علي عبيد
أكتوبر 2023

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى