شهر رمضان المبارك في حصن بن عطية قبل نصف قرن

 

كتب /د- سعودي علي عبيد

كان لشهر رمضان المبارك نكهة خاصة وذلك بحسب سن الشخص، أو حتى جنسه (ذكر أو أنثى). علما أن علاقة الناس حاليا بهذا الشهر الكريم، لم تعد تلك العلاقة التي كانت سائدة قبل عدة عقود ونعني بذلك علاقتنا عندما كنا في سن الطفولة أو المراهقة.
وبرغم أن الكثيرين من الأطفال في تلك الفترة المشار إليها، قد لا يعنيهم كثيرا الهدف المباشر لشهر رمضان – وهو الصوم – إلا أن الاحتفاء بقدومه، لا يمكن التفريط به أو تجاهله.
وباسترجاع ذاكرتنا إلى نحو أكثر من نصف قرن للوراء، فأن أبرز ملامح علاقتنا كأطفال بشهر رمضان الكريم، كانت على النحو الآتي:
1- تبدأ عملية الاحتفاء بشهر رمضان بشكل مبكر، أي قبل حلوله فجر أسبوع أكثر – وتتمثل هذه الخطوة في خروجنا – الأطفال بشكل جماعات قاصدين بعض الأودية أو مجاري السيول، التي كانت مقصدنا، ولكن ليست أية أحجار بل أن هدفنا كان هو جلب نوعاً من الحجارة البيضاء. أما لماذا ؟ فسبب ذلك أنه عند مجرى صك حجرة بيضاء بأخرى يصدر عنهما لمعاناً وضوء، وتبدو العملية أكثر وضوح في فترة المساء.
وعليه فأن احتفاءنا بشهر رمضان الكريم كانت تتخذ خروج الأطفال بحسب الحارات والترحيب بقدوم الشهر الكريم من خلال ترديد بعض العبارات الابتهالية مصحوبة بضرب (صك) الأحجار البيضاء بعضها ببعض ليصدر منها تلك الأضواء. أما موعد الاحتفاء ذاك فكان يبدأ في الأساس قبل حلول شهر رمضان بيوم واحد تقريباً.
وبالإضافة إلى حالة الاحتفاء تلك، فان ما كان يقوم به الأطفال بالترحيب بشهر رمضان المبارك كان لها وجه آخر، وهو أنها تعتبر إشعاراً أو تنبيهاً أو إعلاماً وإعلانا للناس بقرب قدوم شهر رمضان الكريم، بما يتطلب ضرورة الاستعداد لذلك وكما تتطلبه هذه الحالة.
أما فيما يخص بعض الأهازيج التي كان يرددها الأطفال بمناسبة قدوم وحلول شهر رمضان الكريم، فكانت تتمثل في ترديد الاطفال قائلين بشكل جماعي:
رحبوا يا صائمينا
شهر رب العالمينا
عاده الله علينا
وعليكم أجمعينا
2- ولم يتوقف “فرحتنا” واحتفاؤنا بشهر رمضان الكريم على خطو الترحيب به أو الإعلام عن قدومه، بل تستمر خلال هذا الشهر حتى نقوم بتوديعه عند نهايته.
لذا فان الخطوة الثانية، هي خطوة “المؤانسة” – كما يمكننا أن نطلق عليها- أي مؤانستنا لشهر رمضان طوال لياليه الثلاثين أو التسعة وعشرين وذلك بحسب ما يكون عليه في هذه السنة أو تلك.
ونقصد بتعبير “المؤانسة” هو احتفاؤنا بهذا الشهر الكريم ومرافقتنا له طوال لياليه حتى نهايته كما أن قولنا: “طوال لياليه” – وأننا لم نقل أيامه – فهذا يعني أن” مؤانستنا” لشهر رمضان تتم في أمسياته – أي لياليه – التي تبدأ كل ليلة من بعد إفطار الصائمين مباشرة وحتى ذهاب الناس لقضاء صلاة العشاء والتراويح.
أما الطريقة أو الأسلوب الذي كنا نتبعه في عملية مؤانستنا لشهر رمضان فكانت تتمثل في خروجنا من منازلنا وتجمعنا ثم نبدأ بترديد بعض الابتهالات الخاصة بالشهر الكريم مصحوب بقرب أو صك الأحجار البيضاء بما يصدر عنها من لمعان فنمر على منازل الحارة – التي هي في الأساس منازلنا – فيعمل ساكنو المنازل – الذين هم أهلنا في الأساس على إعطائنا بعض الطعام الجاهز، فنعمل على اقتسامه وأكله في الحال.
ومن سمات هذه الخطوة – المؤانسة التي يقوم بها الأطفال طوال ليالي شهر رمضان:
1. عدم وجود فروقات طبقية أو اجتماعية بين أطفال الحارات الذين يقومون بتنفيذ هذه العملية بمعنى أن غالبية أطفال الحارات يقومون بعملية المرور على المنازل وأخذ الطعام أي أن العملية لا تقتصر على أولئك الأطفال المعوزين فقط، بل يمكننا أن تقبل عما يقال عن شهر رمضان الكريم “أنه يعمل على هدم الفروق الطبقية والاجتماعية بين الصائمين”, برغم أن هذا القول مبالغ فيه. إلا إذا كان المقصود بذلك أن المساواة بين الصائمين تنتهي عند عملية الإفطار كما يقول الاقتصادي العالمي مارتيا صن، باعتبار أن موائد الإفطار تختلف من شخص إلى آخر، ومن أسرة أو عائلة إلى أخرى، وذلك بحسب الحالة (المادية) (الطبقية والاجتماعية) لكل من الفئات المذكورة.
2. إن الأطفال المشاركين في هذه الخطوة – المؤانسة – ليسو مقصورين على سن محددة، بل كانوا يقعون في أعمار مختلفة وإن كان ينطبق عليهم سمة الطفولة.
3. من النادر أن تجد أباً أو أسرة، تعمل على منع طفلها أو أطفالها من الاشتراك في هذه الخطوة – المؤانسة بسبب عامل الحرص على الحفاظ على الأطفال أو حتى خوفاً عليهم من الآخرين. ومثل هذا السلوك يشكل تنازلاً هاماً من أولياء أمور أولئك الأطفال. وهو بمثابة تقدير ديني كبير تجاه هذا الشهر الفضيل.
4. أما المساهمة الثالثة للأطفال في شهر رمضان فتمثل في خروجهم في الليال الأخيرة منه، وهي تشبه خطوتهم الأولى (الترحيبية) من حيث الأهازيج واستخدام الحجارة البيضاء، إلا أن هدف خروجهم وتجمعهم ومرورهم في أزقة الحارات هو توديع شهر رمضان بعد صيامه وقيامه.
وكما كانت الأطفال كلماتهم، التي استقبلوا بها شهر رمضان الكريم، فقد كانت لهم كلماتهم التي كانوا يودعون بها شهر رمضان الكريم، ويتمثل ذلك في ترديدهم قائلين:
ودعوا يا صائمينا
شهر رب العالمينا
عاده الله علينا
وعليكم أجمعينا
ومن أهم اللحظات الفارقة، التي كنا نتمتع بها في شهر رمضان، هو ذلك الدور المتميز الذي كان يقوم به “المسحراتي” برغم الوسائل البسيطة المستخدمة في تنفيذ “المسحراتي” لوظيفته في ذلك الوقت.
أما الوظيفة الرئيسية للمسحراتي هي تنبيه الناس إلى قرب موعد الإمساك عن الطعام، والدخول في فريضة الصوم. وغالباً ما يقوم “المسحراتي” بالقيام بهذه الوظيفة عند بدء من الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وذلك حتى تتمكن الأسر من إعداد طعام السحور.
أما الوسيلة أو الطريقة التي كان يستخدمها “المسحراتي” في عملية (التنبيه) فقد كانت من خلال الضرب على تنكة (صفيحة)، والتجوال في أزقة حارات المدينة مع ترديد عبارة “سحورك يا صائم” ومع إضافة مناداة بعض الأسماء المختارة من ساكني هذه الحارة أو تلك.
أما أشهر من اشتغل كمسحراتي في مدينة الحصن في الفترة الزمنية المبحوثة فهما اثنان: الأول شخص يدعى “عبدالله عمر” أما الآخر فهو “عمر الخادم” وكنيسته “عمر الدنس”.
أما الأول “عبد الله عمر” فلا نعرف له أصل، لانه ليس من ساكني مدينتنا حصن بن عطية. وأما الشخص الآخر ” عمر الخادم” وشهرته “عمر الدنس”, فهو من ساكني المنطقة، ومن أصول يرامسية.
ومن المؤسف أن كل ما تحدثنا عنه آنفا، لم يعد موجودا الآن.
___

3 رمضان 1445 الموافق 13 مارس 2024
__________________________
* من كتاب” حصن بن عطية”

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى