وسائل الإنارة: في حصن بن عطية في خمسينيات القرن العشرين

 

كتب/د- سعودي علي عبيد

لا شك أن إنارة المنزل تمثل حالة حضارية متقدمة في سياق تطور المجتمع الإنساني بشكل عام، وهي بالإضافة إلى ذلك تعتبر ظاهرة تاريخية مثل بقية الظاهرات الاجتماعية والقول أنها ظاهرة تاريخية يعني أنها مرت بمراحل زمنية متعددة.
وإذا استثنينا المرحلة البدائية التي استخدم فيها أجدادنا الأولون الإنارة بواسطة اشعال الحطب، فإننا يمكن رصد نحو أربع وسائل لإنارة المنازل في مدينتنا “الحصن” وما جاورها من مناطق وذلك قبل ما تنعم منطقتنا باستخدام الطاقة الكهربائية.
وباستثناء الطاقة الكهربائية، فأن وسائل الإنارة المنزلية التي عرفناها تمثلت على التوالي: اللمبة التي تسمى في لحج اليمبه وعندنا في أبين نطلق عليها “القزة” أو القازة والمسرج والمسرجة، وهناك نوع أو وسيلة أخرى هي “النوارة”، وهناك وسيلة ثالثة هي الفانوس أو القنديل أو المصباح، وأخيراً الإلكتريك بامب. وجميع هذه الوسائل كانت تشغل بواسطة الجاز أو الكيروسين. وهي إحدى المواد المشتقة من البترول.
ومع أن وسائل الإنارة المذكورة جميعها تعمل بواسطة الجاز أو الكيروسين إلا أن لكل وسيلة شكلها المميز المختلف عن بعضها ناهيك عن أن لكل وسيلة قوة إنارة خاصة بها، ولذلك أسبابه أيضاً.
• أولاً: القزة واللمبة والمسرجة:
مفردة القزة أو القازة أتت من الجاز الذي هو الكيروسين، وهي تحوير لها أما اللمبة فقد أتت من الكلمة الإنجليزية(Lamp) التي تعني المصباح والقنديل والسراج، كما أن المسرجة أتت من السراج، وهذا مفهوم صحيح. والقزة أو المسرجة أو اللمبة هي عبارة عن جزء من الأول وهو وعاء مجوف يضع فيه الزيت أو الكيروسين، وهو عبارة عن قاعدة المسرجة أو القزة، والجزء الآخر هو عبارة عن أنبوب من المادة ذاتها المصنوعة من الجزء الأول وهو بطول نحو (5 -6) سنتمتر وبقطر نحو واحد سنتمتر فقط، وهو مثبت في الجزء الأول وتمر من خلاله الفتيلة إلى الجزء الأسفل القاعدة، وهي الجزء الرئيسي للمسرجة. والفتيلة وهي المسؤولة على الإنارة، وذلك بعد إشعالها بواسطة الكبريت، وبالطبع فأن الزيت أو الكيروسين هو الروح الذي مد هذه الشعلة بالحياة. أما الضوء أو الإنارة الصادرة عن هذه الوسيلة – القزة أو المسرجة_ فهي متواضعة جداً بالمقارنة مع الضوء أو الإنارة الصادرة عن وسائل الإنارة الأخرى التي سنتحدث عنها للتو.
• ثانياً: الفانوس أو القنديل أو المصباح:
يتكون الفانوس أو القنديل أو المصباح من عدة أجزاء وهي: القاعدة التي يضع فيها الزيت أو الكيروسين والرأس ومقبضان جانبيان يربطان العدة في الرأس وجزء متحرك في الوسط، وهو الذي يحفظ زجاجة الفانوس أو القنديل، ثم الفتيلة – أو الذبالة – التي تمر من خلال فتحة أعلى القاعدة إلى داخلها التي تحتوي على الزيت أو الكيروسين. والفتيلة هي ذبالة السراج، وهي خيط طويل يمتد من أعلى إلى الجزء الذي يوجد فيه الزيت أو الكروسين وتجمع على فتائل وهناك مقبض جانبي صغير، يقوم برفع وخفض الفتيلة (الذبالة) التي تؤدي إلى زيادة أو خفض الضوء أو الإنارة المنبعثة من هذه الفتيلة. والضوء الذي ينبعث من القنديل أو الفانوس أقوى من ضوء القازة أو المسرجة، وذلك بفعل الزجاجة الأسطوانية الشكل التي تحيط بالفتيلة، فتعمل على عكس الضوء وتوزيعه في المكان المعين. والفوانيس أحجام، منها ذو الحجم الصغير والمتوسط والكبير وقد عرف منها: لونان الأبيض والأزرق.
• ثالثاً: النوارة:
أما النوارة فتتكون من جزأين أساسيين: الأول هي قاعدتها التي يضع فيها الزيت أو الكيروسين، وأما الجزء الآخر فهي الزجاجة التي تضع على الجزء الأول (القاعدة)، وهي بطول نحو (10) سنتيمتراً. وهي شكل بيضاوي تقريباً وتكون مكتنزة من الأسفل ورفيعة من الأعلى. وهي مثل الفوانيس أحجام.
وزجاج الفانوس والنوارة، هو الذي يجعلهما يشعان نوراً وقادرين على تفتيت الظلام الدامس، وهو ما تفتقد له القزة أو المسرجة.
• رابعاً: الإلكتريك بمب:
الإلكتريك بمب هو وسيلة لإنارة أكبر من ناحية الحجم، والأقوى من ناحية قوة الضوء والإنارة المنبعثة منها.
ويتكون جهاز الإلكتريك بمب من حوالي ثلاثة أجزاء رئيسية: وهو الجسم الرئيسي للجاز أو ما يمكن أن نطلق عليه المجسم الرئيسي، وهو بارتفاع نحو قدمين وبقاعدة قطرها نحو (15) سنتمتر وهو – أي المجسم – مغلق من الأعلى وهو مصنوع من مادة معدنية. أما الجزء الثاني فهو الزجاج الذي يأخذ الشكل الدائري تقريباً وهو مفتوح من أعلاه ومن أسفله ومكان هذا الجزء في وسط الجزء الأول – المجسم – وهو موضوع في قاعدة المجسم، ويلتصق به الجزء الأعلى للمجسم. أما الجزء الثالث فهو الفتيلة أو الذبالة التي تشعل الإلكتريك بمب، فتعمل على إضاءة وإنارة المكان المعين.
ومع أن الوسائل الأربع المذكورة لها وظيفة أو مهمة أو خاصية واحدة، وهي إضاءة وإنارة المكان المعين، وذلك من خلال قدرتها على تفتيت الظلام الدامس وقهره، إلا أن هناك مجموعة من الاختلافات الجوهرية بين الثلاث الوسائل الأولى من جانب والإلكتريك بمب من جانب آخر. من الممكن تلخيصها على النحو التالي:
1. فمن ناحية الحجم: فإن جهاز الإلكتريك بمب يبلغ ضعفي الفانوس الكبير تقريباً، ولكن من ناحية الوزن يبلغ نحو ( 3_4 ) كيلو جرام بينما الفانوس الكبير نحو( 2 ) كيلو جرام فقط.
2. ومن ناحية المادة التي يصنع منها جهاز الإلكتريك بمب، إذ تعتبر أفضل وأمتن من تلك التي صنعت منها وسائل الإنارة الأخرى.
3.ومن ناحية قوة الإضاءة والإنارة، فإن الضوء والإنارة المنبعثة من جهاز الإلكتريك بمب هي الأقوى والأفضل مقارنة بتلك المنبعثة عن الوسائل الثلاثة الأخرى مجتمعة.
4. وإذا كانت المادة المستخدمة في تشغيل كلاً من القزة والمسرجة والنوارة والفانوس هو الكيروسين (الجاز)، فإن المادة المستخدمة في تشغيل وإشعال جهاز الإلكتريك بمب هي مادة الكورسين والاسبرت معا. والإسبرت هو نوع من أنواع الكحول. وبينما نجد الكيروسين يصب في قاعدة الجهاز كما هو الحال في وسائل الإنارة الأخرى، فأن مادة الاسبرت (الكحول) تصب في منطقة صغيرة جداً تقع في قاع المنطقة الوسط من الجهاز المخصصة للزجاج الذي يحتوي الفتيلة داخله من الجزء الأعلى للجهاز المذكور. ويبدأ تشغيل جهاز الإلكتريك بمب بإشعال مادة الاسبرت وبعد لحظات تصل الشعلة إلى أعلى الجهاز، ويكون ذلك بمصاحبة توصيل الهواء بواسطة المكبس الموجود في أحد جوانب قاعدة الجهاز الذي يحتوي على الكيروسين.
ومن خلال الحركة اليدوية للمكبس يتم دفع الكيروسين (الجاز) إلى أعلى، كما يساعد الهواء المسحوب من الخارج على زيادة اشتعال الاسبرت، وتوصيل النار إلى الفتيلة المدلاة، ومن ثم اشتعالها خالقة الضوء والإنارة. وتتكرر العملية بدء من عمل المكبس، وذلك كلما خفت ضوء وإنارة جهاز الإلكتريك بمب.
5. كما يوجد اختلاف آخر فيما يخص الغرض من استخدام جهاز الإلكتريك بمب عن باقي وسائل الإنارة التي ذكرناها سابقاً. فبينما نجد أن استخدامات هذه الوسائل محصورة في المنازل أو في الحقول الزراعية، فإننا نجد أن جهاز الإلكتريك بمب ذو استخدامات أوسع وأشمل. وهذا له علاقة بقوة واتساع المساحة المضاءة الناتجة عنه.
وعليه، فإن الأغراض التي يستخدم فيها جهاز الإلكتريك بمب تتمثل في إنارة حفلات الزواج (المخادر) النسائية والرجالية، وإنارة الحوانيت والدكاكين وبسطات البيع وحفلات السمر وحلقات الرقص ومزارات الأولياء (الموالد) والمساجد وغيرها من الأغراض الأخرى إلا أنه يمكننا القول أن استخدام جهاز الإلكتريك بمب في إنارة المنازل كان نادراً باستثناء استخدامها من قبل بعض الأسر الموسرة، وذلك بسبب تكلفتها الكبيرة نسبيا في تلك الفترة المبحوثة.
وأتت ثورة الكهرباء، وتم إدخال الكهرباء في سلطنة يافع بني قاصد. وقد أرخها لنا طيب الذكر، الأستاذ عثمان عبد ربه مريبش في أغنيته الخالدة التي مطلعها:
يا سلام سلم على البارهوس
لا (بيت) قزة ولا فانوس
____________________
(١) البارهوس: محطة توليد الطاقة الكهربائية.
(٢) بيت: أريد
____________
20 رمضان 1445 الموافق 30 مارس 2024

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى