هوس النحافة!
كتب / ليان صالح
رغم حداثة سنها بصفتها طالبة على مقاعد الدراسة، إلا أن وقفتها في الطابور الصباحي توحي بالتعب، وجهها شاحب وثمة هالة داكنة تحيط بعينيها وهي تطالع ماحولها بنظراتٍ ذابلة.
_ هل أنتِ مريضة؟
سألتها بإشفاق، اتكأتْ على الجدار بعدم توازن قبل أن تجيب بصوتٍ ضعيف: لستُ مريضة لكني لم أتناول طعاماً منذ ظهر أمس.. ريجيم!
تأملتُ الجسد النحيل لصبية في مطلع المراهقة: أنتِ تتّبعين الريجيم؟! مازلتِ في مرحلة النمو وجسمك بحاجة إلى تغذية سليمة!
استمعتْ بإنصات واستغراب قبل أن تقول بلهجة من ينهي جدالاً في مسألةٍ محسومة:( بس أني بنت ولازم أكون رشيقة، مشتيش أكون ممتلئة).. هكذا تقول لي أمي كلّ يوم!
تركتُها تصعد لغرفة الصف، عمر الصّبا وخطى العجائز، أسفتُ لزمن يُحتفى فيه بالمظاهر الخادعة على حساب الجوهر، ويغلبُ الفراغ الفكري وتتجلّى صراعات ( النيولوك) وهوس النحافة وبدعة الفتنة والجاذبية واختزال المرأة من كونها إنسانة متكاملة إنسانياً وفكرياً وأخلاقياً لمجرد جسد متناسق ووجهٍ جميل، وما يترتب من أعباء ثقيلة تُلقى على كاهل الفتيات الصغيرات.
لا ننكر أن الاهتمام بالوزن مطلب صحي وجمالي، لكن لذلك ضوابط لابد من أخذها بعين الاعتبار، ولايجوز أن نترك المسألة تتحول هوساً يسيطر على الكبار والصغار، ومايتمخّض عنه من اتباع لطرق ووسائل غير صحية وغير آمنة تحمل في ثناياها آثاراً جانبية آنية أو مستقبلية أو كليهما معاً، ويتم إغفالها لأسباب ربحية بحتة، ويتم الترويج لها بوسائل برّاقة لا حصر لها، أشدّها خطورة وتأثيراً تلك الصور- المصيدة، التي ترافق الإعلانات التجارية المُثبت أسفلها قبل وبعد..!
كيف لنا وسط هذه الدوامة الإعلامية أن نحمي أنفسنا مما نعيشه ولا يعبر عن الواقع ولا يحترم الأبعاد الثقافية والأخلاقية للحضارة التي ننتمي لها؟! أهو زمن التحدي الأصعب للآباء والأمهات وللأنظمة التربوية برمتها؟!.