حظ كوكورا الأسطوري.. كيف نجت مدينة يابانية من الدمار النووي مرتين؟

أبين ميديا /متابعات /وائل زكير

 

على الرغم من أن مدينة كوكورا لم تعد موجودة باسمها اليوم، إلا أن ذكراها لا تزال حيّة في الوجدان الياباني. في عام 1963، اندمجت كوكورا مع أربع مدن أخرى لتشكّل مدينة كيتاكيوشو الواقعة في جنوب غرب اليابان، والتي يناهز عدد سكانها المليون نسمة.

لكن ما يجعل اسم كوكورا خالدًا هو أنها نجت من القصف الذري الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية مرتين، في لحظات كانت فيها على بعد دقائق فقط من الدمار الكامل.

كوكورا على قائمة الموت

في منتصف يوليو 1945، اختار الجيش الأمريكي 12 مدينة يابانية كأهداف محتملة للهجوم النووي، بناءً على أهميتها العسكرية والصناعية.

جاءت هيروشيما أولًا في القائمة، تلتها مباشرة كوكورا، التي كانت تضم منشآت ضخمة لتصنيع الأسلحة وترسانة عسكرية بارزة.

في السادس من أغسطس، ألقيت القنبلة الذرية الأولى على هيروشيما، مخلّفة ما يقارب 140 ألف قتيل. وكانت الخطة أن تُقصف كوكورا في حال فشل الهجوم على هيروشيما.

في صباح 9 أغسطس، أقلعت الطائرة الأمريكية “بوكسكار” من طراز B-29 محملة بالقنبلة الثانية، التي أطلق عليها اسم “الرجل البدين”، والمصنوعة من البلوتونيوم، وهي أقوى من قنبلة اليورانيوم المستخدمة في هيروشيما.

كانت كوكورا الهدف الرئيسي. وعندما وصلت الطائرة إلى سماء المدينة، كانت الأجواء ملبّدة بالغيوم، إضافة إلى دخان كثيف، ربما بسبب قصف لمدينة ياواتا المجاورة في اليوم السابق.

تشير بعض المصادر وفقا لشبكة “بي بي سي” إلى أن مصانع كوكورا قد أحرقت الفحم عمدًا لإطلاق دخان كثيف يحجب المدينة عن الطائرات.

حلّقت القاذفة فوق كوكورا ثلاث مرات، لكن الرؤية ظلت ضعيفة. ولم يكن مسموحًا بإطلاق القنبلة إلا عند التحقق البصري المباشر من الهدف، لتحقيق أقصى تأثير مدمر.

قرار اللحظة الحاسمة

مع نفاد الوقود وتصاعد نيران الدفاعات الجوية اليابانية، اتخذ قائد الطائرة الرائد تشارلز سويني قرارًا سريعًا: التوجه إلى الهدف البديل، ناغازاكي، وبذلك، نجت كوكورا للمرة الثانية من كارثة نووية محققة، بينما قضى ما لا يقل عن 74 ألف إنسان في ناغازاكي.

ناغازاكي لم تكن الهدف الأصلي

من المثير أن ناغازاكي لم تكن ضمن الأهداف الأصلية.

كانت مدينة كيوتو في القائمة، لكن وزير الحرب الأمريكي آنذاك، هنري ستيمسون، أقنع الرئيس هاري ترومان بشطبها من القائمة، لما لها من أهمية ثقافية وتاريخية، ولأسباب شخصية أيضاً، حيث سبق له أن زارها عدة مرات ويقال إنه قضى فيها شهر عسله.

هكذا تم إدراج ناغازاكي بدلاً من كيوتو، لتصبح هدفاً احتياطياً في حال تعذر ضرب كوكورا.

مشاعر متضاربة في كوكورا

عندما اكتشف سكان كوكورا أنهم كانوا على وشك أن يُقصفوا بقنبلة ذرية، ساد بينهم شعور متناقض يجمع بين الامتنان العميق والذعر، إضافة إلى الحزن العميق على ما أصاب مدينة ناغازاكي وسكانها.

اليوم، تحرص كيتاكيوشو، التي كانت تضم كوكورا، على تخليد تلك الذكرى من خلال نصب تذكاري للقنبلة الذرية، أُقيم في موقع الترسانة العسكرية السابقة. ومنذ عام 1973، تُقام في هذا الموقع مراسم سنوية في التاسع من أغسطس لإحياء ذكرى القصف.

كما افتُتح متحف كيتاكيوشو للسلام عام 2022، ليحكي قصة المدينة التي نجت من واحدة من أسوأ كوارث البشرية.

مدينة خضراء تنظر إلى الأمام

بعد الحرب، عانت المدينة من التلوث الناتج عن النشاط الصناعي، خاصة في خليج دوكاي، الذي كان على وشك فقدان الحياة البحرية فيه.

لكن خلال العقود التالية، استثمرت كيتاكيوشو بكثافة في التقنيات البيئية والطاقة المتجددة، لتتحول إلى واحدة من أكثر المدن خضرة في قارة آسيا.

ورغم أنها نجت من الدمار النووي، فإن ماضيها لا يزال حاضراً بقوة، بينما تسير بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

“حظ كوكورا”

منذ ذلك الحين، دخل تعبير “حظ كوكورا” الثقافة اليابانية، ليصف النجاة من كارثة وشيكة، أو تفادي مصير مروع في اللحظة الأخيرة.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى